وفي هذه السنة جاءت حجاج كثيرون من العجم، وهم على ما نقلوا ألف وست مئة عجمي، ما عدا البغّادة والعرب، وصار جبر خاطر لعموم الناس في البيع والشراء. وجاء مع العجم ربيّات ذهب كل واحدة بثلاثة عشر غرشاً ولؤلؤ كبير وصغير وأحجار ومعادن وشال وغير ذلك. وخرج المحمل يوم الخميس ثامن عشر شوال، وخرج الحاج يوم الجمعة بعد المناداة مرارا بأن لا يبات أحد من الحجاج إلا خارج باب الله. وخرج المتسلم والبلطجية بعد العصر وأناس بالليل والباقي ضحوة السبت. وهذا شيء ما سبق على ما نعلم.
وفي شوال بهذه الأيام صار حرٌّ شديد لا يطاق، حتى نشفت الأعين والآبار، فقد غارت قناة بيت راس التي هي قرية من ببيلة في طريق قبر الست ونشفت واندرست، حتى كأنها لم تكن. وعلى أثر جفاف الأعين وقلة المياه جاء زيادة ماء، حتى صارت الماء مثل الطحينة. ونهار الأربعاء ثامن ذي القعدة جرس رجل، قيل إنه يدق الزغل من المعاملة. وركب حمارا بالمقلوب وسخم وجهه بالسواد، وآلة العمل على صدره، وداروا به البدل كلها. ومع هذا فالغلاء واصل لحدّه: فرطل اللحم بستة وعشرين مصرية، والأرز بعشرة مصاري، والخبز بخمسة مصاري، إلى آخر ما قدمنا.
وفي منتصف ذي القعدة ورد حاكم حلب سعد الدين باشا أخو أسعد باشا ابن العظم إلى دمشق، سردار إلى جردة الحج، ورحل بها نهار الخميس غرة ذو الحجة.
سنة 1165
ثم دخلت سنة خمس وستين ومئة ألف نهار السبت فاستبشرت الناس بقدومها، حيث ليلة الهلّة هطل مطر غزير وفرحوا وزرعوا وفلحوا، وبدت ترخص الأسعار، غير أن ما فيه أن يفتش على الخلق بالرحمة والرأفة من الحكام والوجوه، والخزّانة كثيرون والأكابر ساكتون والحكام يأكلون، فإنا لله وإنّا إليه راجعون، وانظر غلاء الأسعار: فقد أقبلت هذه السنة بخيراتها وبركاتها، ورطل الخبز بأربع مصاري، والدبس أربع أرطال إلاّ ثلث بقرش، ورطل السمن بقرش ونصف، ورطل البصل بأربع مصاري، ورطل الثوم بسبعة مصاري، ورطل الفحم بأربع مصاري، وعلى هذا فقس. فالأغنياء منعّمون والفقراء صابرون.
قال المؤرخ عفا الله عنه: وفي يوم الاثنين عاشر المحرم من هذه السنة ورد فرمان من الدولة العلية بأن حضرة خليل أفندي البكري صار قاضياً في دمشق الشام، وسجلوا الفرمان، وجلس مكانه ولده أسعد أفندي البكري إلى مجيء أبيه كما يأتي.
ونهار الأحد ثاني وعشرين محرم ورد جوقدار الحج الشريف يبشر عن الحجاج بكل خير، وأن الحاج وقف بعرفات يوم الجمعة. وهذه السنة التاسعة من حجج حضرة أسعد باشا المتواليات. وهذا ما سبق لغيره، والحمد لله الذي أعطاه. وفي ثاني يوم دخلت خزنة مصر إلى دمشق. قال المؤرخ: ومعها نسيبنا شيخ السعدية في الديار المصرية الشيخ يحيى أفندي الجباوي، أخو الشيخ إبراهيم الجباوي الشاغوري من أبيه. وفي يوم الثلاثاء غرة صفر الخير كان دخول ركب الحج الشامي إلى دمشق، ولم يروا أدنى مكدر كما أخبروا، غير أنهم جاءهم في هدية برد كبير كل بردة وزنها ستون درهماً، ولم يحصل منه أذية.
وفي تلك الأيام بلغنا أن أهل مصر طردوا كل غريب، والذي يجدونه بعد نهبوا ماله وعذبوه أشد التعذيب. وفي أوائل ربيع الأول دخل خليل أفندي البكري قاضياً لدمشق الشام، ففرحت ناس وغمت ناس، وظنوا أن معه أمور من تغيير وتبديل وتفتيش، فلم يقع شيء من ذلك. وفي ليلة الأربعاء سادس عشر ربيع الأول توفي العالم الجليل شيخ الشافعية في دمشق الشام، بل شيخ شيوخ الفضلاء من علمائها الأعلام، شيخنا وأستاذنا الشيخ على كزبر، وصلينا عليه صلاة الظهر في جامع الأموي، ودفن بتربة باب الصغير من قبلي أوس بن أوس الثقفي. وقبل وفاته عمل وصية. ومن جملة ما أوصى بخمسين قرشاً لتعمير القبور الذي حول قبره، فكانت منه كرامة، لأن ساعة دفنه تهدمت قبور كثيرة من تزاحم الخلق المحتاطين بجنازته. رحمه الله تعالى، وأعاد علينا من بركاته. وفي ليلة الثلاثاء سلخ ربيع الأول وجد السيد محمد بن السيد أحمد خادم سيدي أبي الدرداء مذبوحاً بداره التي بداخل القلعة، وكان له عبد ومملوك فلم ير لهما أثر، قيل قتلاه، والله أعلم، وذهب كأنه ما كان.