وكانت هلة رمضان هذه السنة، وقبل رمضان بيومين خرج قاضي الشام السيد محمد أفندي بشمقجي زاده، خرج إلى الصالحية مع حريمه، ثم رجع في وقت العصر من الصالحية وحريمه معه، وهو شاهر السلاح بيده طبنجة، وفي رجله الواحد بابوجة والثانية حافية بلا بابوج، وقد جرح من جماعته شخصاً. ولم يزل على هذه الحالة حتى وصل إلى المحكمة، ثم تبيّن أنّه كان سكراناً ... قال المؤرخ: قد فحصت عن سبب نزول القاضي بهذه الكيفية، فتبيّن الأمر بخلاف ما ذكرنا من كونه كان سكراناً، وإنَّما هو من حدّة مزاج وقع منه. والسبب في ذلك أنه كانت له سرية، وكان مغرماً بها، حتى طلق زوجته لأجلها، فأرادت زوجته أن تنكد عيشته، فيوماً من الأيام جاء بعض ضيوف لجاريته التي يحبها، فأرادت أن تضع أمام الضيوف طعام ودجاج وغيره من الذي هيّأه القاضي للغذاء في الصالحية، فمنعتها زوجة القاضي وكانت غير سخية، فلما جاء القاضي عرفته جاريته بذلك، وأنها لم تضع أمام ضيوفي طعاماً ولا غيره، ثم صارت تبكي، وكان القاضي يحبها فوق العادة، فقام على زوجته فطلَّقها، لما قيل إن ذلك كان سبب طلاقها، وقام على خدامه فجرد عليهم السلاح، وأمر الحريم بالنزول، وطلب هو المركوب، فأبطؤوا، ثم وجد فردة فنزل بها إلى الجسر، ثم ركب ونزل للمحكمة على تلك الحالة، فأظهرت أعداؤه أنه سكر والأمر بخلافه. ثم ما كفى زوجته التي طلَّقها هذا الفعل، حتى اشتكت عليه إلى الدولة العلية، فجاء الأمر بفرمان عزله وبنفيه إلى جزيرة قبرص وبضبط ماله جميعه لزوجته، فباعوا جميع متروكاته، واخذوا جميع ما عنده من المال، فبلغ ثمانية أكياس، فأعطوهم إلى زوجته المطلقة. وكان ذلك بأمر من الدولة، ثم تأسفت عليه غالب الناس، غير الذين لهم أغراض، لما كان عليه القاضي المذكور من الاستقامة والقناعة والتواضع والسخاء الكثير، حتى إنه في شهر رمضان كان يأكل قنطار من السمن ومن الأرز مثل ذلك، ومن اللحم كذلك، حتى إنه على الأقل يوجد عنده في رمضان نحو ثلاثين ماعدا الفقراء. ولما كان لا يأكل الرشوة ولا يميل في دعوى مالت أهل الشام عليه مع زوجته، حتى سمعوا بعزله كما هي عادتهم قديماً.

وفي يوم الأحد منتصف شوال جاءت خزنة مصر إلى الشام. ويوم الاثنين سادس عشر شوال خرج المحمل الشريف بأميره الحاج أسعد باشا بن إسماعيل باشا العظم، وقد كانت هذه هي الحجة السابعة لحضرة أسعد باشا المذكور. وقد كان أبوه إسماعيل باشا حجَّ ستَّة. وهذه الحجّة بهذه السنة هي السابعة لأسعد باشا. وثاني يوم خروج المحمل شنق المتسلم اثنان من الأشقياء اللصوص، لهم وقوعات كثيرة، ثبت أخيراً أنهما نزلا داراً ليلاً، فسرقا جميع ما فيها من غالي الثمن، واسم أحدهما شيخ التكية.

وبعد خروج الحاج الشامي بأربع أيام خرج السيد يونس شريك أسعد باشا بقافلة عظيمة ومعه جماعة كثيرة، ولحقوا الباشا والحاج إلى المزيريب. وفي هذه السنة جدَّد أسعد باشا في مدرسة أبيه إسماعيل باشا التي في سوق الخياطين الحجرات الفوقانية، وجعل في قبليها جامعاً وخطبة، ورتَّب أجزاء من القرآن وشوربة وزيتاً وغير ذلك. جزاه الله خيراً.

وفي تاسع ذي القعدة سافر القاضي المتقدم ذكره لصيدا، يريد قبرص بنية النفي لها، وخرجت بعض الأكابر لتوديعه. وفي خامس عشر ذي القعدة جرَّصوا ثلاثة أشخاص ودوّرهم في كل البلد مسخمين الوجوه راكبين على حمير بالمقلوب. فسألنا عن السبب، فقيل إنهم يُسكوّن الفلوس الرملية، وهي غش فكان أحدهم كردي والثاني داغستاني.

وفي ذلك اليوم أمر الحاكم بأن يخرجوا بنات الهوى، وهم الشلكات، من البلد إلى خارج البلد، وأظهر أنه يريد أن ينفيهن إلى بلاد أخرى، ونبّه على مشايخ الحارات أن من وجد في حارته ذو شبهة لا يلومن إلا نفسه، ثم نادى منادي إن النساء لا يسبلن على وجوهن مناديل، إلا حرم الباشا ونساء موسى كيخية. ثم شرع أعوان الحاكم بالتفتيش وشددوا، فانفرجت بعض الكربة، ثم ما بقي هذا التشديد غير جملة أيام، إلا وقد رأينا البنات المذكورات يمشين كعادتهن في الأزقة والأسواق وأزيد، ورجعن إلى البلد، ورتب الحاكم عليهن في كل شهر على كل واحدة عشرة غروش وجعل عليهم شوباصياً، بل قطع من الناس وسلب والله المستعان.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015