وفي يوم الاثنين سابع شعبان من هذه السنة أمر حضرة أسعد باشا الدالاتية والأطلية بأن تركب وتغير على أرض البقاع ومن فيها من الدروز، فيقتلوا ويأسروا وينهبوا ويفعلوا ما أرادوا. ثم بلغني أنهم أغاروا على جماعة من الدروز وهم على حين غفلة، فقتلوا منهم ومن مشايخهم، وقبضوا على الباقين منهم، ونهبوا الأموال والدواب والغنم والنساء والأولاد، وجاءوا برؤوسهم إلى دمشق. فكان يوم مجيئهم يوماً تقشعر منه الجلود مع الجلال. فنسأله تعالى أن يصلح الأحوال، ويرحم أهل الشام ويرخص لهم الأسعار.
وفي يوم الخميس عاشر شعبان عمل الشيخ إبراهيم الجباوي متولي جامع الأموي فرح عرس إلى ابن ابنه، وأمر أن تزين الأسواق بالقناديل والشمع، وأمر أن تشعل منائر الجامع الأموي فشعلت وهذا شيء ما سمعناه أنه سبق لغيره.
وفي ليلة السبت مات الشيخ الولي معتقد أهل الشام الشيخ عمران بن الشيخ إبراهيم إمام داء السعادة. كان رحمه الله من أرباب الأحوال، وكان له سنة أصابع في يده اليمنى، وكان يكتب خطاً حسناً بيده اليسرى ويقلد كل خط، وكان حسن الصوت بقراءة القرآن. ودفن بباب الصغير بجوار سيدنا بلال رضي الله عنه.
وفي هذا العام جاءنا الخبر بوفاة أحمد باشا بن حسن باشا والي بغداد وقيل إن سبب موته أن الدولة أرسلت له فروة مسمومة فلبسها فدب السم في بدنه، فمات رحمه الله. كان رحمه الله شجاعاً مقداماً مدبراً للأمور أطاعته العباد ودانت له البلاد، وقد دفع عن بغداد كل جبار، ولقد قصده طهماسب الخارجي ومعه عسكر جرار، وحاصر بغداد أشهراً فلم يقدر على فتحها فرجع ذليلاً صاغراً، وطلب بلاد الهند والتتر، فسلط عليه ولده فقتله ودمره، وتولى ولده مكانه، ولم يخرج على الدولة وكان اسمه دبوس. ولما توفي أحمد باشا والي بغداد أرسلت الدولة إلى بغداد والياً كور محمد باشا، وكان صدراً أسبق، فلما استقر ببغداد، طلبت منه الإنكشارية العلايف أي المعاشات. فقال لهم: علايفكم عندي. قالوا: لا، فقد كان أحمد باشا الذي كان قبلك يعطينا إياها من ماله، ولما تأتي له من الدولة يأخذها. قال لهم: أنا لا أفعل. قالوا: لا بد من ذلك وشددوا عليه بالكلام، وكانوا مثل البحر الزخار. فقال: إن كان ولا بد من ذلك فأرسلوا إليّ من أكابركم من كل بلد ثلاثة رجال، حتى يستلموا المال ففعلوا، ولما حصلوا عنده أمر بقتلهم ورمي جثثهم. فلما رأوا إلى ذلك أسرعوا إلى القلعة ورموا عليها بالمدافع والبارود، حتى هدموا سرايته، وقتلوا آغة جماعته. فخرج الباشا من سرداب تحت الأرض ينفذ من خارج البلد وفرّ هارباً إلى بلاد العجم. ثم كاتبت أهل بغداد إلى الدولة العلية بأن يرسلوا والياً لبغداد عليهم سمّوه لها، كان عند مخدومه أحمد باشا المتقدم، وكان فيه استعداد تام، فأرسلوه لهم وقد رضوا به.
وفي سابع وعشرين من شعبان قدم أسعد باشا من الدورة، وكان دخوله قبيل المغرب، وجاءت معه مغاربة كثيرة.
وفي هذه السنة صار ثبوت رمضان الأربعاء، وضربت المدافع ليلتها في الساعة الخامسة، وبعض الأئمة صلى التراويح تلك الليلة. وقد صارت غرارة القمح بعشرين قرشاً، والله يعيننا على هذا الغلاء، الذي هو رطل الخبز بخمسة مصاري، والأرز بإحدى عشرة مصرية، والباذنجان بأربع مصاري.
وفي ثامن رمضان جاء من اصطنبول شيخ الإسلام يقصد الحج إلى بيت الله الحرام، وخرجت لملاقاته أعيان الشام، ومكث اثنا عشر يوماً، وتوفي لرحمة الله تعالى وصار قبره بالشام، ودفن بباب الصغير قبلي سيدنا بلال رضي الله عنه.
وفي يوم الثلاثاء الحادي والعشرين من شهر رمضان نبّه أسعد باشا بأن يكون الريال بقرشين إلا ثلث، وكان أولاً بقرش ونصف وأربع مصاري، وكان عيد الفطر في هذه السنة نهار الجمعة.
وفي يوم السبت سادس عشر شوال خرج المحمل الشريف صحبة أمير الحاج أسعد باشا العظم حفظه الله، وأقام نائباً عنه بدمشق متسلماً موسى كيخية المتقدم ذكره. وقد جاء خط شريف بعد خروج الباشا إلى الحج بإخراج أولاد الدروز من القلعة، فأخرجهم المتسلم، وصار في الجبل فرح عظيم. ولو كان أسعد باشا في الشام لما أخرجهم، لأنه طالما جاءته أوامر بإخراجهم فلم يخرجهم. وفي هذه السنة المطر قليل والغلاء كثير، وكان غالب قوت أهل الشام خبز الذرة والشعير، والفقراء مالهم من دون الله معين ولا نصير.
سنة 1161