"وإنما رجح ابن مسعود رضي الله عنه الحلف كاذبا على الحلف بغيره صادقا، لأن الحلف بالله توحيد، والحلف بغيره شرك، وإن قدر الصدق في الحلف بغير الله فحسنة التوحيد أعظم من حسنة الصدق، وسيئة الكذب أسهل من سيئة الشرك، ذكره شيخ الإسلام1، وفيه دليل على أن الحلف بغير الله صادقا أعظم من اليمين الغموس، وفيه دليل على أن الشرك الأصغر أكبر من الكبائر، وفيه شاهد للقاعدة المشهورة وهي: ارتكاب أقل الشرين ضررا إذا كان لابد من أحدهما2.
ومما ينبغي أن يعلم أن الحالف لو اعتقد أن ما حلف به أعظم من الله عز وجل أو مثله، فإن ذلك شرك أكبر مخرج من ملة الإسلام نعوذ بالله من ذلك، وهذا هو شرك الجاهلية الأولى، الذي كانوا يعظمون معبوداتهم من دون الله ويحلفون بها، والذي يفعله بعض عباد القبور أعظم إذ يخشى أن يحلف بشيخه كذبا، ولا يخشى من الله ذلك.
فالذي يفعله عباد القبور إذا طلبت من أحدهم اليمين بالله، أعطاك ما شئت من الأيمان صادقا أو كاذبا، فإذا طلبت منه اليمين بالشيخ أو تربته أو حياته ونحو ذلك، لم يقدم على اليمين به إن كان كاذبا.