هذا الشِّعر من غرائب الحُمق، من رأى شاعراً مدح النَّبيّ صلى الله عليه وسلّم فاعترض عليه أحدٌ من جميع أصناف المسلمين حتَّى يزعم أنَّ ناساً يعيبونه ويثلبونه ويعنِّفونه؟ وله شبيهٌ بهذا في مرثيَّة رثى بها النَّبيّ صلى الله عليه وسلّم يقول فيها:

وبورِك قبرٌ أنتَ فيه وبوركتْ ... به وله أهلٌ لذلك يثربُ

لقد غيَّبوا بِرّاً وحزماً ونائلاً ... عشيَّة واراك الصّفيحُ المنصَّبُ

وهذا شعرٌ يصلح أن يُرثى به عامة النَّاس غير النبي.

ابن جَهْوَر يرثي قوماً من أهله:

كم فيهمُ لو تملَّينا حياتَهمُ ... من فارسٍ يومَ روع الحيّ مِقدامِ

ومن خطيبٍ غداة الفخر مُرتجلٍ ... ثبْتِ المقام أريبٍ غير مِفْحامِ

وله أيضاً:

وما خيرُ من لا ينفعُ الأهلَ عيشهُ ... وإنْ ماتَ لم يجْزَعْ عليه أقاربُهْ

كَهامٌ عن الأقصى كليلٌ لسانهُ ... وفي بشر الأدْنى حِدادٌ مخالبُهْ

معاذ بن عامر:

مُطِلاًّ على أعدائه يزجرونه ... بساحتهم زجرَ المنيح المشهّرِ

إذا بعدوا لا يأمَنون اقْترابَه ... تشوُّفَ أهل الغائب المتنظَّرِ

ما نعرف شيئاً من الشعر القديم ولا المحدث يلحقه.

تمنَّى رجالٌ أن أموتَ وغايتي ... إلى أجلٍ أقصى مَداهُ قريبِ

وما رغبتي في آخر العيش بعدما ... لبستُ شبابي كلَّه ومَشيبي

وأصبحتُ في قومٍ كأنْ لستُ منهمُ ... وبادَ شُكولي منهمُ وضُروبي

مثله:

وزهَّدَني في صالح العيش أنَّني ... رأيتُ لِداتي في المجالس قلَّتِ

مثله:

إذا ما مضى القرنُ الَّذي كنتَ منهمُ ... وخُلِّفتَ في قرنٍ فأنتَ غريبُ

المتلمّس:

إلى كلّ قومٍ سُلَّمٌ يُرْتقى به ... وليس إلينا في السَّلاليم مَطْمعُ

ويهربُ منّا كلُّ وحشٍ وينتمي ... إلى وحْشنا وحشُ الفَلاة فيرْتَعُ

عُطارد بن قُرّان:

ولا يلبثُ الحبلُ الضّعيفُ إذا التويَ ... وجاذَبه الأعداءُ أن يتجذَّما

وما يستوي السَّيفانِ سيفٌ مؤنّثٌ ... وسيفٌ إذا ما عضَّ بالعظم صمَّما

عبد الحارث بن ضِرار:

وعمرٌو إذْ أتانا مُستميتا ... كسَونا رأسَهُ عضْباً صقيلا

فلولا اللَّيلُ ما آبوا بشخصٍ ... يُخبِّرُ أهلَهم عنهم قتيلا

مثله لآخر:

يا شدَّةً ما شدَدْنا غير كاذبةٍ ... على سخينةَ لولا اللَّيلُ والحرَمُ

مثله:

فلولا اللَّيلُ والمهرُ المُفدَّى ... لأُبتَ وأنتَ غِربالُ الإهابِ

خَمْخام السَّدوسيّ:

وإنّا بالصُّلَيب صُلَيب نجدٍ ... جميعاً موقِدونَ به لَظانا

نُدَخِّنُ بالنّهار ليُبصرونا ... ولا نَخفى على أحدٍ بَغانا

يقول: ظهرْنا لعدوّنا فكنّا نوقد النار في اللَّيل ليراها من يريدنا وندخِّن بالنّهار لئلاّ نخفى وهو من أعظم الفخر، وقريبٌ منه قول الأخطل:

وما تركتْ أسيافُنا حين جُرِّدتْ ... لأعدائنا قيسِ بن عَيلان من عُذْرِ

يقول: لقيناهم نهاراً فلم نجعل لهم عذراً يحتجُّون به ويقولون كانت كبسة أو مُخاتلة.

نُعَيم بن خير البكريّ:

فتلك ثيابي لم تُدَنَّسْ بغدْرَةٍ ... وورْىُ زنادي في ذُرى المجد ثاقبُ

ولو صادفتْ عوداً سوى عود نبعةٍ ... وهيهاتَ أفْنَتْهُ الخطوبُ النَّوائبُ

جرير يهجو بني حنيفة:

أبناءُ نخلٍ وحيطانٍ ومزرعةٍ ... سيوفُهم خُشُبٌ فيها مساحيها

قطعُ الثِّمار وسقيُ النَّخْل عادتُهم ... قِدْماً وما جاوزتْ هذا مساعيها

لو قيل أين هوادي الخيل ما عَلِموا ... قالوا لأعجازها هذي هواديها

أو قيلَ إنّ حِمام الموت آخذُكم ... أو تُلْجموا فرساً قامت بواكيها

آدم بن عمر:

وإنْ قالتْ رجالٌ قد تولَّى ... زمانكمُ وذا زمنٌ جديدُ

وما كنّا لنخلُدَ لو ملكْنا ... وأيُّ النَّاس دامَ له الخلودُ

حذو كلام هذا البيت حذو كلام هذا الآخر:

وهل من خالدٍ إمّا ملكنا ... وهل بالموتِ يا للنّاسِ عارُ

الأحنف بن قيس:

فلو مُدَّ سَرْوي بمالٍ كثير ... لجدتُ وكنتُ له باذلا

فإنَّ المروءةَ لن تُستطاع ... إذا لم يكنْ مالُها فاضلا

ومثله لآخر:

رُزقتُ لُبّاً ولم أُرزقْ مروءته ... وما المروءة إلاَّ كثرةُ المالِ

إذا أردتُ مُساماةً تقعَّدَني ... غمّاً يُنوِّهُ باسمي رقَّةُ الحالِ

أعرابيّ مجهول وهو من جيّد الكلام:

حفرنا على رغم اللهازم حُفرةً ... ببطن فُليج والأسنّةُ جُنَّحُ

وقد غضبوا حتَّى إذا ملأوا الرُّبى ... رأوا أنّ إقراراً على الضَّيم أرْوحُ

مالك بن النُّعمان:

وإنّي لأستبقي إذا العُسر مسَّني ... بشاشةَ وجْهي حين تبلى المنافِعُ

مخافةَ أن أُقلى إذا جئتُ زائراً ... وترجعَني نحو الرّجالِ المطامِعُ

فأسمعَ منّاً أو أُشرِّفُ مُنعماً ... وكلُّ مُصادي نعمةٍ متواضِعُ

ثروان بن ثروان مولى بني عذرة:

فلو كنت مولى قيس عيلانَ لم تجدْ ... عليَّ لإنسانٍ من النَّاس درهما

ولكنّني مولى قُضاعةَ كلِّها ... فلستُ أُبالي أنْ أدينَ وتغْرَما

أولئك قومي بارك الله فيهمُ ... على كلّ حالٍ ما أعفَّ وأكْرما

حاتم الطَّائيّ:

أيا ابنة عبد الله وابنةَ مالكٍ ... ويا ابنةَ ذي البُردَين والفرس والورْدِ

إذا ما صنعتِ الزّادَ فالتمسي لهُ ... أكيلاً فإنّي لستُ آكلهُ وحْدي

كريماً قَصيّاً أو قريباً فإنَّني ... أخافُ مذمّاتِ الأحاديثِ من بعدي

وكيف يُسيغ المرءُ زاداً وجارهُ ... خفيف المِعى بادي الخصاصة والجهْدِ

وللموتُ خيرٌ من زيارة باخلٍ ... يُلاحظ أطرافَ الأكيل على عمْدِ

حرب بن سلمة العبديّ:

تقول ابنةُ العبديّ يومَ لقيتها ... تنكّرْتَ حتَّى كدتُ منك أُهالُ

فإنْ تعجبي منّي أُمامَ فقد أتتْ ... ليالٍ وأيّامٌ عليَّ طِوالُ

وإنّيَ من قومٍ تشيبُ سراتُهم ... كذاك وفيهم نائلٌ وفعالُ

ولو لقيتْ ما كنتُ ألقى من العِدى ... إذن شاب منها مَفرقٌ وقَذالُ

ولكنَّها في كلِّةٍ كل شتوةٍ ... وفي الصَّيف كِنٌّ باردٌ وحِجالُ

تُصانُ وتُعلى المسكَ حتَّى كأنّها ... إذا طرحْتَ عنها النَّصيفَ غزالُ

عمر بن أبي ربيعة:

وأعجبَها من عيشها ظلُّ غرفةٍ ... وريّانُ مُلْتفُّ الحدائق أخضَرُ

ووالٍ كفاها كلَّ شيءٍ يهمُّها ... فليست لشيءٍ آخرَ اللَّيل تسهرُ

نزل أبو الشَّليل العَنَزيّ في بني حكم، وهم فخذٌ من عنَزة، فلم يحمدْ جوارهم فقال:

أراني في بني حكمٍ قَصيّاً ... على حالٍ أزورُ ولا أُزارُ

أناسٌ يأكلون اللَّحمَ دوني ... وتأتيني المعاذرُ والقُتارُ

ومثله:

وجيرةٍ لن يُرى في النّاس مثلهمُ ... إذا يكون لنا عيدٌ وإفطارُ

إنْ يوقِدوا يوسِعونا من دُخانهمُ ... وليس يدركُنا ما تُنضج النّارُ

عمّار بن منجور القينيّ:

إذا مدَّ أربابُ البيوت بيوتَهم ... على رُجَّح الأكفال ألوانُها زُهْرُ

فإنّ لنا منها خباءً تحفُّهُ ... إذا نحن أمسينا المجاعةُ والفقرُ

أبو حُزابة:

ألا لا فتى بعد ابنْ ناشرةَ الفتَى ... ولا خيرَ إلاَّ قد تولَّى وأدْبرا

وكان حصاداً للمنايا ازْدرعْنَهُ ... فهلاَّ تركن النَّبتَ ما دام أخضرا

أما كان فيهم فارسٌ ذو حفيظةٍ ... يرى الموتَ تحدوهُ الأسنّة أحْمرا

فكرَّ عليه الوردَ يدْمى لَبانُه ... وما كرَّ إلاَّ رهْبةً أن يُعيَّرا

سُويد بن كعب:

إنّي إذا ما الأمرُ بيَّنَ شكُّهُ ... وبدَتْ بصائرهُ لمن يتأمَّلُ

وتبرّأ الضُّعفاءُ من إخوانهم ... وألحَّ من حُرّ الصَّميم الكلكلُ

أدَعُ الَّتي هي أرفقُ الخَلاّتِ بي ... عند الحفيظة للتي هي أجملُ

أبو محجن الثقفيّ:

ألم تسألْ فوارسَ من سُلَيم ... بنضْلَةَ وهو موتورٌ مُشيحُ

رأوه فازدروه وهو خِرْقٌ ... وينفعُ أهلَه الرَّجلُ القبيحُ

فلم يخشَوا مصالتَه عليهم ... وتحت الرُّغوة اللَّبنُ الصَّريحُ

فأطلقَ غُلَّ صاحبه وأرْدى ... جريحاً منهم ونجا جريحُ

حَجْل بن نضْلة:

فويلُ أمِّ لَذّاتِ الشَّباب معيشةً ... مع المال يُعطاه الفتَى المتلفُ الندى

وقد يقصرُ القُلُّ الفتَى دونَ همِّهِ ... وقد كان لولا القُلُّ طلاّعَ أنْجُدِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015