قال المهلْهِل بن ربيعة:
بكُرهِ قلوبنا يا آل بكرٍ ... نُغاديكم بمُرهفةِ النِّصالِ
لها لونٌ من الهاماتِ جَونٌ ... وإن كانت تُغادَى بالصّقالِ
ونبكي حين نذكركم عليكم ... ونقتلُكُم كأنَّا لا نُبالي
أبيات المهلهل هذه هي الأصل في هذا المعنى، ومثله قول الحُصَين بن الحُمَام المرّي:
نفلِّقُ هاماً من رجالٍ أعزَّةٍ ... علينا وهُم كانوا أعقَّ وأظلَما
وأخذه بعضهم فقال:
قوْمي همُ قتلوا أُميمَ أخي ... فإذا رمَيتُ أصابني سهمِي
فلئن عفوتُ لأعفوَنْ جَللاً ... ولئن قتلتُ لأُوهِنَنْ عظمِي
وأخذه مالك بن مطفوق السعديّ فقال:
قتلْنا بني الأعمام يوم أوارَة ... وعزَّ علينا أن نكون كذلِكا
هُم أحرَجونا يوم ذاك وجرَّدوا ... علينا سُيوفاً لم يكنَّ بواتِكا
وأخذه حرب بن مِسعر فقال:
ولمَّا دعاني لم أُجِبْه لأنَّني ... خشيتُ عليه وقعةً من مُصمِّم
فلمَّا أعاد الصَّوت لم أكُ عاجزاً ... ولا وكِلاً في كلّ دَهْياءَ صَيْلَم
عطفتْ عليه المُهْر عطفةَ مُحرج ... صؤولٍ ومن لا يغشِم النَّاسَ يُغشَم
وأوجرتُهُ لَدْن الكسوب مقوّماً ... فخرَّ صريعاً لليدَين وللفَم
وغادرتُهُ والدَّمعُ يجري لقتله ... وأوداجُهُ تجري على النحر بالدَّمِ
فأخذا هذا المعنى ديك الجن فقال في جارية كان يحبها فقتلها:
قمرٌ أنا استخْرجتُهُ من دُجْنة ... لبليَّتي وجلوتُهُ من خِدرِهِ
فقتلتُهُ وله عليَّ كرامةٌ ... ملء الحشا وله الفؤادُ بأسرِهِ
عهدي به مَيْتاً كأحسنِ نائمٍ ... والحزنُ ينحرُ عَبرتي في نحرِهِ
وإلى المعنى الأول نظر أبو تمام في قوله:
قدِ انْثَنى بالمنايا في أسنَّتِهِ ... وقد أقامَ حياراكم على اللَّقَمِ
جذلانُ من ظفر حرَّانُ أن رجعتْ ... أظفارُهُ منكمُ مخضوبةً بدَمِ
ومن هذا المعنى أخذ البحتري قوله:
إذا احْتربَتْ يوماً ففاضت دماؤها ... تذكَّرتِ القربى ففاضت دموعُها
بيت البحتري أطرف وأبدع من بيت المهلهل إلاَّ أنَّه أرشده إلى المعنى ودلَّ عليه. ومثله القتَّال الكلابي:
فلمَّا رأيتُ أنَّه غيرُ منتهٍ ... أمَلْتُ له كفّي بلَدْن مقوّمِ
فلمَّا رأيتُ أنَّني قد قتلتهُ ... ندِمتُ عليه أيَّ ساعة مندَمِ
ولبعضهم:
أتتْني آية من أُمّ عمرو ... فكدتُ أغَصّ بالماء القراحِ
فما أنسَى رسالتها ولكن ... ذليلٌ من ينوءُ بلا جناحِ
قوله: " ذليلٌ من ينوء بلا جناح " من الأمثال الجياد المختارة.
قال الحكم بن عبدل الأسديّ:
إذا كنتَ جاراً خائفاً ومُحوِّلا ... لاقيتَ عمرانَ بن ورقاءَ فانْزلِ
هو الغيث والشَّهر الحرام وضامن ... لك الدَّهر إن أخنى عليك بكلكلِ
قال عمرو بن برَّاقة الهَمْداني:
تقول سُليمى لا تعرّضْ لتَلْفَة ... وليلُك عن ليل الصَّعاليك نائمُ
وكيف ينام الليل مَن جُلَّ مالِهِ ... حُسام كلون الملح أبيضَ صارِمُ
كذَبتم وبيتِ الله لا تأخذونها ... مُراغمة ما دام للسَّيف قائمُ
متى تجمع القلبَ الذكيّ وصارما ... وأنفاً حمِيّا تجتنبْكَ المظالمُ
ومَن يطلبِ المال الممنّع بالقنا ... يعشْ ماجداً أو تخترِمْه الخوارِمُ
مثله:
ومن يطلبِ المالَ الممنّع بالقنا ... يعشْ مُثرِياً أو يُودِ فيما يمارسُ
إذا جرَّ مولانا علينا جريرةً ... صبَرنا لها إنَّا كرامٌ دعائمُ
وننصرُ مولانا ونعلمُ أنَّه ... كما النَّاسُ مجرومٌ عليه وجارِمُ
وكنتُ إذا قوم غزوني غزوتُهم ... فهلْ أنا في ذا يالَ هَمْدان ظالمُ
قال يزيد خذَّاق العبدي:
فَلَت عينَها عنِّي سَفاهاً وراقَها ... فتى دون أضيافِ الشتاءِ شروبُ
دهينُ القفا يُدني تبيعةَ سيفه ... وما كلُّ أصحابِ السُّيوفِ نجيبُ
قوله: " فتى دون أضيافِ الشتاءِ شروبُ " نهاية في الهجاء، وإنَّما خصَّ بقوله أضياف الشتاء للكِنّ والصلاء وما يضيف في الشتاء من العرب إلاَّ المبرّز في السماحة لكَلَب البرد وصفر البيوت لأنه يريد أن يحصر عياله ويخرج من بيته ماشيته ليتَّسع المكان على ضيفه. وأخرى إن الزاد عندهم في الشتاء قليل وفي الصيف كثير.
قال الغطَمَّش الضبّي:
إنِّي وإن كانَ ابنُ عمِّيَ عاتبا ... لمقاذِفٌ من دونِهِ وورائِهِ