وقوله: " ويكفيك آثار لنا حين نلتقي " البيت، معنى مليح، وقد اشترك فيه جماعة من الشعراء فأوَّل ذلك امرؤ القيس في قوله:
فقمتُ بها أمشي تجرُّ وراءنا ... على إثْرِنا أذيالَ مرطٍ مُرحَّلِ
وقال ابن المعتز:
فقمتُ أفرش خدِّي في الطريقِ له ... ذلاًّ وأسحب أكماماً على الأثَرِ
ولابن المعتز في هذا المعنى زيادة حسنة على من تقدَّمه.
وقوله: " فنصبح لم يشعر " البيت، كلام طريف وكذب مليح لأنه قال لا بدَّ من تهمة تلحقنا فنحلف أنَّا لم نفعل ويحلفون أنَّا قد فعلنا.
وقوله: " فأقبلن يمشين " البيت، من أحسن ما يكون في صفة المشي. وقد أكثرت الشعراء في هذا الباب، فمن مليحه قول بعضهم:
يمشينَ مشيَ قطا البطاح تأوُّدا ... قُبَّ البطون رواجح الأكفالِ
وإنَّما شبَّهوا مشي المرأة بمشي القطاة لأن فيها سرعةً وتأوُّدا.
وقال المنخَّل:
ودفعتُها فتدافَعَتْ ... مشيَ القطاة إلى الغَديرِ
وللأعشى في المشي شيء حسن وأشياء يُفرط فيها. فمن الجيد قوله:
غرَّاءُ فرعاءُ مصقولٌ عوارِضُها ... تمشي الهُوَينا كما يمشي الوجى الوجِلُ
كأنَّ مشيتَها من بَيت جارَتها ... مرُّ السَّحابة لا رَيثٌ ولا عَجَلُ
وقد شبَّه بشار بن برد خفقان القلب بالكرة في نزوها وهو قوله:
كأنَّ فؤادَه كُرة تنَزَّى ... حَذارَ البَين إن نفع الحذارُ
وهذا لعمري تشبيه جيد ومعنى صحيح. وقال الآخر، وهو غير هذا المعنى، فجوَّد:
كأنَّ فؤادي في مخاليب طائر ... إذا ذُكرتْ ليلى يشُدُّ به قَبضَا
هذا ذكر أن فؤاده، إذا ذُكرت عشيقته، قُبض عليه ولم يذكر أنَّه شديد الخفقان، وهو يدخل في هذا المعنى أو يقاربه. وقد قال بعض المحدثين من أهل الموصل في هذا المعنى فجوَّد وأحسن وزاد وأورد معنى ثانياً وهو قوله:
كأنَّ قلبي وشاحاها إذا خَطَرت ... وقَلبَها قُلبُها في الصَّمت والخرَسِ
هذا ذكر أن قلبه مثل وشاحي صاحبته قلقاً وتحرّكاً، ثمَّ أتى وزاد في المعنى بقوله: " إذا خَطَرت " ليكون أشد للحركة؛ ثمَّ أتى بمعنى وهو قوله: " وقَلبَها قُلبُها في الصَّمت والخرَسِ " وقد ذكر أنَّ قَلبها غير خافقٍ ولا قلق، والقُلبُ السِوار. وهم يصفون المرأة بضيق السوار والخلخال وقلة حركتهما، فهذا الشاعر ذكر قَلبه بالقلق وقلبَ من يحبّ بالسكون فزاد وجوَّد.
وأما قوله في ذكر الحديث وحسنه: " ينازعننا لذَّا " البيت، والَّذي بعده فهو حسن نادر إلاَّ أنَّ الشعراء في الحديث أكثروا من جيّده، ومن حَسَنه قول القطاميّ: