قد اخترنا في هذا الكتاب من أشعار العرب وبديع معانيهم وطريف استعاراتهم وتشبيهاتهم ما وقع في جملة من الورق كثيرة، وضمَّته عدة أجزاء، ولو أردنا أضعاف ذلك لمَا تعذَّر علينا ولكُنَّا نقوم به إلاَّ أنَّا مِلنا إلى الاختصار وتجنَّبنا الإكثار، وفيما ذكرنا من ذلك مَقنع وبلاغ ودلالة على فضل المتقدمين. وجميع ما أثبتناه فاختيار من أشعارهم المشهورة والمجهولة وما لنا إلاَّ الجمع والتَّأليف، ولعلَّ غيرنا ممَّن يقرأ هذا الكتاب يُرذل شيئاً ممَّا اخترناه ويهجِّن شيئاً نقلناه، وهذا غير مزرٍ بنا ولا ناقصٍ لنا، لأنَّ لكلّ إنسان اختياراً، ولعلَّ آخر ممَّن يتصفَّحه يعرف النَّظير لشيء ممَّا ذكرناه وهو لا يعرف غيره فيشنِّع علينا ويقول: تركوا نظائر، ولن نشرط أنَّا نأتي بجميع النظائر ولعلَّنا أعرفُ بما خرَّجه الرَّازي علينا منه إلاَّ أنَّا تركناه لمعنًى، ويجوز أن لا نعرفه لأنَّا لم نُحط بجميع العلم والشِّعر أكثر ممَّا يُحصى، والغرض الَّذي ذكرناه وأوردنا من التَّنبيه على محاسنهم فقد بلغناه والآن نبدأ بعون الله وحسن توفيقه في اختيار أشعار المحدثين وغريب معانيهم وحسن استعاراتهم بعد هذا الكتاب ليشتمل الكتابان على الفنَّين من الشِّعر القديم والمحدث، ونرجو أن يقع هذا الكتاب الآخر موقع الكتاب الأوَّل من قلب من صنَّفناه من أجله - أيَّده الله - إن شاء الله تعالى، والحمد لله وصلَّى الله على محمد نبيِّه الكريم وعلى آله وسلَّم تسليماً وحسبنا الله ونعم الوكيل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015