سأبْكيك ما فاضتْ دُموعي وإنْ تغِضْ ... فحسبك منِّي ما تُجنُّ الجوانحُ

كأنْ لم يمتْ حيٌّ سِواك ولم تقُمْ ... على أحدٍ إلاَّ عليكَ النَّوائحُ

لئن حسُنتْ فيك المَراثي وذِكرُها ... لقد حسُنتْ من قبلُ فيك المدائحُ

فما أنا من رُزءٍ وإنْ جلَّ جازعٌ ... ولا في سُرور بعد موتك فارحُ

كعب الغنويّ يرثي أخاه:

تقولُ سليمَى ما لجسمك شاحباً ... كأنَّك يحميك الشَّرابُ طَبيبُ

أتَى دون حُلوِ العيش حتَّى أمَرَّهُ ... نُكوبٌ على آثارهنَّ نُكوبُ

أخو شَتَواتٍ يعلمُ الضَّيفُ أنَّه ... سيكثُرُ ما في قِدره ويَطيبُ

إذا ما تراءاهُ الرِّجالُ تحفَّظُوا ... فلم تنطقِ العوراءُ وهْوَ قريبُ

فتًى لا يُبالي أن يكونَ بجسمه ... إذا نالَ خَلاَّتِ الكرام شُحوبُ

وحدَّثْتُماني أنَّما الموتُ في القُرَى ... فكيف وهذِي هَضبةٌ وكَثيبُ

وماءُ سماءٍ ليس فيه مَحَمَّةٌ ... ببرِّيَّةٍ تجري عليهِ جنوبُ

وإنِّي لَباكيهِ وإنِّي لَصادقٌ ... عليهِ وبعضُ القائلينَ كَذوبُ

لعمرُكُما إنَّ البعيد الَّذي مضَى ... وإنَّ الَّذي يأتِي غداً لقريبُ

أما قوله: " إذا ما تراءاهُ الرِّجال " البيت فقريب من قول مُهلهل:

نُبِّئتُ أنَّ النَّارَ بعدك أُوقدتْ ... واسْتَبَّ بعدك يا كُليبُ المجلسُ

وتَفاوَضوا في أمرِ كلّ نقيصةٍ ... لو كنتَ شاهدَ أمرِهم لم ينْبِسوا

وأمَّا قوله: " وحدَّثتماني " البيت والبيت الَّذي بعده فمثل قول أبي ذُؤيب:

يقولونَ لي لو كانَ بالرَّملِ لم يمتْ ... نُبَيْشةُ والطُرَّاق يكذِب قيلُها

ولو أنَّني أودعتُهُ الجوَّ لارْتَقتْ ... إليه المنايا عينُها أو رسولُها

على حين ساواهُ الشَّبابُ وقاربتْ ... خُطايَ وخِلتُ الأرضَ وعْراً سُهولُها

أوس بن حجر، وكان الأصمعي والمفضّل الضَّبّيّ وأكثر الرُّواة يقولون إنَّه لم يبتدئ أحدٌ من الشعراء ابتداء مرثية أحسن من ابتداء هذا الشِّعر، وهو:

أيَّتُها النَّفسُ أجمِلي جزعا ... إنَّ الَّذي تحذَرين قد وقَعا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015