جوانح قد أيقن أن قبيله ... إذا ما التقى الجمعان أول غالب
فجعل الطير توقن بأنه غالب.
وترى الطير على آثارنا ... رأي عين ثقة أن ستمار
117 قال أبو علي: ولكن من أين للأفوه الأودي، ابتداء النابغة: بما يحسن عند السامع، عما ينقاد له القول، قبل استمامه؟ هو طويل:
إذا ما غزوا بالجيش حلق فوقهم ... عصائب طير تهتدي بعصائب
يصاحبنهم حتى يغرن مغارهم ... من الضاربات بالدماء الدوارب
تراهن خلف القوم خزراً عيونها ... جلوس الشيوخ في مسوك الأرانب
لهن عليهم عادة قد عرفنها ... إذا وضعوا الخطي فوق الكواثب
إذا ما غزا يوماً رأيت غيابة ... من الطير يرقبن الذي هو صانع
فهم بأمر ثم أزمع غيره ... وإن ضاق أمر مرة فهو واسع
(119) فتلاهم أبو نواس فقال وأحسن مديد:
تتأيا الطير غدوته ... ثقة بالشبع من جزره
قال أبو علي: وحكى عمر الوراق، قال: "رأيت أبا نواس ينشد:
وإذا مج القنا علقا ... وتراءى الموت في صوره
راح في ثنيي مفاضته ... أسد يدمي شبا ظفره
تتأيا الطير غدوته ... ثقة بالشبع من جزره
فقلت له ما تركت للنابغة شيئاً؟ فقال: "اسكت؟ فلئن كان سبق إليه، لما انصاعت الأتباع له".
120 قال أبو علي: وأحمد من هذا مذهباً، وأسلم تركيباً، قول أبي تمام -على تأخر زمانه- طويل:
تسربل سربالاً من الصبر وارتدى ... عليه بعضب في الكريهة فاصل
وقد ظللت أعقاب رايته ضحى ... بعقبان طير في السماء نواهل
أقامت مع الرايات حتى كأنها ... مع الجيش إلا أنها لم تقاتل
جاء كلمع البرق جاش ناظره ... يسبح أعلاه ويطفو آخره
فما تمس الأرض منه حافره
122 واعتمد خلف الأحمر على هذا المعنى فقال يصف ثوراً وحشياً، إلا أنه أتى فكاد يخرج بها عن حبل المحال كامل:
فكأنما جهدت اليته ... ألا تمس الأرض أربعه
ما إن يقعن الأرض إلى فرطاً ... كأنما يعجلن شيئاً لقطاً
فلولا الريح اسمع أهل حجر ... صليل البيض تقرع بالذكور
إذ كان بين حجر وبين موضع الوقعة التي ذكرها مسافة بعيدة جداً.
ويمنعها من أن تطير زمامها
126 قال أبو علي: وأحمد منه، ما أنشدناه محمد بن عبد الواحد أحمد بن يحيى لأبي هفان رجز:
تسمع للريح إذا ما سارا ... بين سواريه رحاً دواراً
لو أنه طار بعيرا طارا
يكاد في شأوه لولا اسكته ... لو طار ذو حافر من سرعة طارا
فلو أنها تجري على الأرض أدركت ... ولكنما يطلبن تمثال طائر
كأن يديه والغلام يجله ... جناحان من سواذق حين شمرا
-السواذنيق: الصقر، والشاهين، أيضاً، والأجدل: والصقر، والمضر: حي النسر.
كأن غلامي إذا علا حال متنه ... على ظهر باز في السماء محلق
وليلة أفنيت ريعانها ... بعجلزة جمزي المدخر
جموح لجري إذا عوفيت ... وإن نوزفت برزت بالخصر
سبوح إذا اعتزمت في العنا ... ن مروح معلمة كالحجر
فلو طار ذو حافر قبلها ... لطارت، ولكنه لم يطر
فما سوذنيق على مرفأ ... خفيف الفؤاد حديد النظر
رأى أن ينافسها بالعرا ... فبادر ولجات الخمر