وكان معدودًا من "رؤساء أهل السنة المجودين على مذهب أهل الحديث". وعلى ذلك لا نعجب حين نراه منحرفًا عن الفلسفة وأصحابها، حتى إنه يفضّل علم العروض عليها، حين يصفه بقوله: "علم العروض الذي يُربي بحسنه ودقته واستقامته على كل ما يتبجح به الناسبون أنفسهم إلى التي يقال لها الفلسفة! ... "، إلاّ أن ابن فارس بالغ في التعصّب لعلم العروض حين فضّله على علوم الطبيعة والحساب، وحين عطف هذه العلوم على الفلسفة، فهو يتابع حديثه عن العروض قائلاً: "ومن عرف دقائقه وأسراره وخفاياه علم أنه يُربي على جميع ما يتبجح به هؤلاء الذين ينتحلون معرفة حقائق الأشياء من الأعداد والخطوط والنقط، التي لا أعرف لها فائدة، غير أنها مع قلة فائدتها تُرِقُّ الدين، وتُنتج كل ما نعوذ بالله منه".
على أن هذا الموقف لا ينبغي أن يفسر بالرجعية كما سماه زكي مبارك، وإنما هو ضرب من تعصب بعض العلماء للعلوم التي ألفوها، وأفْنَوْا حياتَهم في تحصيلها ... ويقابل هذا الموقف فكر متحرر من التعصّب للقديم لقدمه فحسب، فهو يقول في رسالته في الردّ على محمد بن سعيد الكاتب: "ومن ذا حظر على المتأخر مضادة المتقدم؟ ولِمَ تأخذُ بقول من قال: ما ترك الأولُ للآخر شيئا؟ وتدع قول الآخر: كم ترك الأول للآخر؟! .. وهل الدنيا إلا أزمان، ولكل زمن منها رجال؟ وهل العلوم بعد الأصول المحفوظة إلا خطراتُ الأفهام، ونتائجُ العقول؟