حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، ثَنَا يُوسُفُ الْقَطَّانُ، ثَنَا مِهْرَانُ بْنُ أَبِي عُمَرَ، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: أُخْبِرْتُ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا أُلْقِيَ فِي النَّارِ كَانَ فِيهَا - مَا أَدْرِي إِمَّا خَمْسِينَ , وَإِمَّا أَرْبَعِينَ يَوْمًا - قَالَ: «مَا كُنْتُ أَيَّامًا وَلَيَالِيَ قَطُّ أَطْيَبَ عَيْشًا مِنِّي إِذْ كُنْتُ فِيهَا , وَوَدِدْتُ أَنَّ عَيْشِي وَحَيَاتِي كُلَّهَا مِثْلَ عَيْشِي إِذْ كُنْتُ فِيهَا» قَالَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَإِنْ أُخِذَ مِنَ الصُّوفِ الْمَعْرُوفِ , فَهُوَ لِاخْتِيَارِهِمْ لِبَاسَ الصُّوفِ , إِذْ لَا كُلْفَةَ لِلْآدَمِيِّينَ فِي إِنْبَاتِهِ وَإِنْشَائِهِ , وَإِنَّ النُّفُوسَ الشَّارِدَةَ تُذَلَّلَ بِلِبَاسِ الصُّوفِ , وَتُكْسَرُ نَخْوَتُهَا وَتَكَبُّرُهَا بِهِ , لِتَلْتَزِمَ الْمَذِلَّةَ وَالْمَهَانَةَ , وَتَعْتَادَ الْبُلْغَةَ وَالْقَنَاعَةَ. وَقَدْ ذَكَرْنَا شَوَاهِدَهُ فِي كِتَابِ لُبْسِ الصُّوفِ مُجَوَّدًا. وَقَدْ كَثُرَتْ أَجْوِبَةُ أَهْلِ الْإِشَارَةِ فِي مَائِيَّتِهِ بِأَنْوَاعٍ مِنَ الْعِبَارَةِ , وَجَمَعْنَاهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ , وَأَقْرَبُ مَا أَذْكُرُهُ مَا حُدِّثْتُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ , أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ عَاشَ فِي ظَاهِرِ الرَّسُولِ فَهُوَ سُنِّيٌّ , وَمَنْ عَاشَ فِي بَاطِنِ الرَّسُولِ فَهُوَ صُوفِيٌّ». وَأَرَادَ جَعْفَرٌ بِبَاطِنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْلَاقَهُ -[21]- الطَّاهِرَةِ , وَاخْتِيَارَهُ لِلْآخِرَةِ , فَمَنْ تَخَلَّقَ بِأَخْلَاقِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَتَخَيَّرَ مَا اخْتَارَهُ , وَرَغِبَ فِيمَا فِيهِ رَغِبَ , وَتَنَكَّبَ عَمَّا عَنْهُ نَكَبَ , وَأَخَذَ بِمَا إِلَيْهِ نَدَبَ , فَقَدْ صَفَا مِنَ الْكَدَرِ , وَنُحِّيَ مِنَ الْعَكَرِ , وَنُجِّيَ مِنَ الْغِيَرِ , وَمَنْ عَدَلَ عَنْ سَمْتِهِ وَنَهْجِهِ , وَعَوَّلَ عَلَى حُكْمِ نَفْسِهِ وَهَرَجِهِ , وَسَعَى لِبَطْنِهِ وَفَرْجِهِ , كَانَ مِنَ التَّصَوُّفِ خَالِيًا , وَفِي التَّجَاهُلِ سَاعِيًا , وَعَنْ خَطِيرِ الْأَحْوَالِ سَاهِيًا