حَدَّثَنَا أَبِي , ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمِسُوحِيُّ , ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَجَّاجِ , ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَشْنَوَيْهِ الْأَزْدِيُّ , بِفَارِسٍ ثنا الْعَبَّاسُ بْنُ حَمْزَةَ , ثنا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي سُلَيْمَانَ وَهُوَ يَبْكِي فَقُلْتُ لَهُ: مِمَّ تَبْكِي؟ فَقَالَ لِي: وَيْحَكَ يَا أَحْمَدُ , كَيْفَ لَا أَبْكِي وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّهُ إِذَا جَنَّ اللَّيْلُ وَهَدَأَتِ الْعُيونُ وَخَلَا كُلُّ خَلِيلٍ بِخَلِيلِهِ، وَاسْتَنَارَتْ قُلُوبُ العَارِفِينَ وَتَلَذَّذَتْ بِذِكْرِ رَبِّهِمْ، وَارْتَفَعَتْ هِمَمُهُمْ إِلَى ذِيِ العَرْشِ، وَافْتَرَشَ أَهْلُ الْمَحَبَّةِ أَقْدَامَهُمْ بَيْنَ يَدَيْ مَلِيكِهِمْ فِي مُنَاجَاتِهِ وَرَدَّدُوا كَلَامَهُ بِأَصْوَاتٍ مَحْزُونَةٍ جَرَتْ دُمُوعُهُمْ عَلَى خُدُودِهِمْ وَتَقَطَّرَتْ فِي مَحَارِيبِهِمْ خَوْفًا وَاشْتِيَاقًا فَأَشْرَفَ عَلَيْهِمُ الجَلِيلُ جَلَّ جَلَالُهُ فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ فَأَمَدَّهُمْ مَحَبَّةً وَسُرُورًا فَقَالَ لَهُمْ: أَحْبَابِيَ وَالْعَارِفِينَ بِي اشْتَغِلُوا بِي وَأَلْقُوا عَنْ قُلُوبِكُمْ ذِكْرَ غَيْرِي أَبْشِرُوا فَإِنَّ لَكُمْ عِنْدِي الْكَرَامَةَ وَالْقُرْبَةَ يَوْمَ تَلْقَوْنِي فَيُنَادِي اللَّهُ جِبْرِيلَ: يَا جِبْرِيلُ بِعَيْنَيَّ مَنْ تَلَذَّذَ بِكَلَامِي وَاسْتَرَاحَ إِلَيَّ وَأَنَاخَ بِفِنَائِي وَإِنِّي لَمُطَّلِعٌ عَلَيْهِمْ فِي خَلَوَاتِهِمْ أَسْمَعُ أَنِينَهُمْ وَبُكَاءَهُمْ وَأَرَى تَقَلُّبَهُمْ وَاجْتِهَادَهُمْ فَنَادِ فِيهِمْ يَا جِبْرِيلُ: مَا هَذَا الْبُكَاءُ الَّذِي أَسْمَعُ؟ وَمَا هَذَا التَّضَرُّعُ الَّذِي أَرَى مِنْكُمْ؟ هَلْ سَمِعْتُمْ أَوْ أَخْبَرَكُمْ عَنِّي أَحَدٌ أَنَّ حَبِيبًا يُعَذِّبُ أَحِبَّاءَهُ؟ أَوَمَا عَلِمْتُمْ أَنِّي كَرِيمُ فَكَيْفَ لَا أَرْضَى أَيُشْبِهُ كَرَمِي أَنْ أَرُدَّ قَوْمًا قَصَدُونِي أَمْ كَيْفَ أُذِلُّ قَوْمًا تَعَزَّزُوا بِي أَمْ كَيْفَ أَحْجُبُ غَدًا أَقْوَامًا آثَرُونِي عَلَى جَمِيعِ خَلْقِي وَعَلَى أَنْفُسِهِمْ وَتَنَعَّمُوا بِذِكْرِي؟ أَمْ كَيْفَ يُشْبِهُ رَحْمَتِي؟ أَوْ كَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ أُبَيِّتَ قَوْمًا تَمَلَّقُوا لِي وُقُوفًا عَلَى أَقْدَامِهِمْ وَعِنْدَ الْبَيَاتِ أَخْزُوهُمْ أَمْ كَيْفَ يَجْمُلُ بِي أَنْ أُعَذِّبَ قَوْمًا إِذَا جَنَّهُمُ اللَّيْلُ تَمَلَّقُونِي وَكَيْفَمَا كَانُوا انْقَطَعُوا إِلَيَّ وَاسْتَرَاحُوا إِلَى ذَكَرِي وَخَافُوا عَذَابِي وَطَلَبُوا الْقُرْبَةَ عِنْدِي -[17]- فَبِي حَلَفْتُ لَأَرْفَعَنَّ الْوَحْشَةَ عَنْ قُلُوبِهِمْ وَلَأَكُونَنَّ أَنِيسَهُمْ إِلَى أَنْ يَلْقَوْنِي فَإِذَا قَدِمُوا عَلَيَّ يَوْمَ القِيَامَةِ فَإِنَّ أَوَّلَ هَدِيَّتِي إِلَيْهِمْ أَنْ أَكْشِفَ لَهُمْ عَنْ وَجْهِي حَتَّى يَنْظُرُوا إِلَيَّ وَأَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، ثُمَّ لَهُمْ عِنْدِي مَا لَا يَعْلَمُهُ غَيْرِي , يَا أَحْمَدُ إِنْ فَاتَنِي مَا ذَكَرْتُ لَكَ فَيَحِقُّ لِي أَنْ أَبْكِيَ دَمًا بَعْدَ الدُّمُوعِ , قَالَ أَحْمَدُ: فَأَخَذْتُ مَعَهُ بِالْبُكَاءِ ثُمَّ خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ وَتَرَكْتُهُ بِالْبَابِ فَكُنْتُ أَرَى أَثَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَتَّى الْمَمَاتِ وَجَعَلَ يَبْكِي وَيَصِيحُ فَكُنْتُ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا سَأَلْتُهُ عَنْ شَيْءٍ , مِنَ الْحَدِيثِ يَقُولُ: مَا كَفَاكَ الَّذِي سَمِعْتَ؟ يَعْنِي هَذَا فَأَقُولُ: لَعَلَّ مَنْفَعَتِي فِيمَا لَمْ أَسْمَعْهُ بَعْدُ , فَيَقُولُ: أَجَلْ. ثُمَّ قَالَ لِي أَحْمَدُ: خُذْهَا إِلَيْكَ فَقَدْ سَقْتُ لَكَ الْحَدِيثَ بِتَمَامِهِ وَإِنِّي رُبَّمَا اخْتَصَرْتُهُ , وَبَكَى أَحْمَدُ لَمَّا حَدَّثَنِي هَذَا الْحَدِيثَ وَصَرَخَ يَقُولُ: وَاحِرْمَانَاهُ وَاشُؤْمَ خَطِيئَتَاهُ مَضَى الْقَوْمُ وَبَقِينَا بَعْدُ حِينَ قَدْ أَمْضَيْنَاهُ فَالنَّاسُ ظَفِرُوا بِمَا طَلَبُوا وَلَا نَدْرِي مَا يَنْزِلُ بِنَا فُوَا خَطَرَاهُ. وَجَعَلَ يَبْكِي وَيَصِيحُ , فَأَخَذْتُ مَعَهُ فِي الْبُكَاءِ وَكُنْتُ أَرَى أَثَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ إِلَى الْمَمَاتِ "