حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعُثْمَانِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمُذَكِّرِ، عَنْ بَعْضِ، أَصْحَابِهِ، قَالَ: قَالَ ذُو النُّونِ لِفَتًى مِنَ النُّسَّاكِ: يَا فَتًى، خُذْ لِنَفْسِكَ بِسِلَاحِ الْمَلَامَةِ، وَاقْمَعْهَا بَرَدِّ الْظَلَامَةِ تَلْبَسْ غَدًا سَرَابِيلَ السَّلَامَةِ، وَاقْصُرْهَا فِي رَوْضَةِ الْأَمَانِ وَذَوِّقْهَا مَضَضَ فَرَائِضِ الْإِيمَانِ تَظْفَرْ بِنَعِيمِ الْجِنَّانِ، وَجَرِّعْهَا كَأْسَ الصَّبْرِ، وَوَطِّنْهَا عَلَى الْفَقْرِ حَتَّى تَكُونَ تَامَّ الْأَمْرِ. فَقَالَ لَهُ الْفَتَى: وَأَيُّ نَفْسٍ تَقْوَى عَلَى هَذَا؟ فَقَالَ: نَفْسٌ عَلَى الْجُوعِ صَبَرَتْ، وَفِي سِرْبَالِ الظَّلَامِ خَطَرَتْ، نَفْسٌ -[357]- ابْتَاعَتِ الْآخِرَةَ بِالدُّنْيَا بِلَا شَرْطٍ وَلَا ثُنْيَا، نَفْسٌ تَدَرَّعَتْ رَهْبَانِيَّةَ الْقَلَقِ، وَرَعَتِ الدُّجَى إِلَى وَاضِحِ الْفَلَقِ، فَمَا ظَنُّكَ بِنَفْسٍ فِي وَادِي الْحَنَادِسِ سَلَكَتْ وَهَجَرَتِ اللَّذَّاتِ فَمَلَكَتْ، وَإِلَى الْآخِرَةِ نَظَرَتْ، وَإِلَى الْعَيْنَاءِ أَبْصَرَتْ وَعَنِ الذُّنُوبِ أَقْصَرَتْ، وَعَلَى الذَّرِّ مِنَ الْقُوتِ اقْتَصَرَتْ، وَلِجُيُوشِ الْهَوَى قَهَرَتْ، وَفِي ظُلَمِ الدَّيَاجِي سَهِرَتْ، فَهِيَ بِقِنَاعِ الشَّوْقِ مُخْتَمِرَةٌ وَإِلَى عَزِيزِهَا فِي ظُلَمِ الدُّجَا مُشْتَمِرَةٌ، قَدْ نَبَذَتِ الْمَعَايِشَ وَرَعَتِ الْحَشَايِشَ، هَذِهِ نَفْسٌ خَدُومٌ عَمِلَتْ لِيَوْمِ الْقُدُومِ، وَكُلُّ ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ الْحَيِّ الْقَيُّومِ