عرفوا وما لم يعرفوا، فأحلوا وحرموا، وأنكروا وأقروا، واضطربوا وترددوا، وكثير منهم يؤمن بالإسلام، ويحرص على التمسك به، ولكنه أخطأ الطريق، بما أُشرب في قلبه من مبادئ التشريع الحديث. واندفع العامة والدهماء وراءهم، يقلدون سادتهم وكبراءهم، ويتبعون خطواتهم. ومرج أمر الناس واضطربوا، حتى إنهم ليحاولون علاج أمراضهم النفسية والاجتماعية بمبادئ التشريع الحديث. وبين أيديهم كتاب الله: (مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ) (?) و (هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى) (?) ولكن قومنا اكتفوا من القرآن بالتغني به في المآتم والمواسم، وتركوا تدبر معانيه واتباع هديه، واتخذوا هذا القرآن مهجوراً!
ثم قد أجرمت هذه القوانين في حق الأمة والدين أكبر الجرائم، فبثت في كثير من الناس روح الإلحاد والتمرد على الدين، أو حمتها وساعدت على بقائها ونمائها. وحمت التبشير وما وراءه من منكرات ومفاسد، بما تدعيه من حرية الأديان، ولم يوجد دين يحمي حرية الأديان كما حماها الإسلام، ولم توجد أمة وسعت مخالفيها وأفسحت لهم صدروها كما فعل المسلمون. ولكن الإسلام دين ودولة معا، فهو لا يأبى على اللاجئين إليه أن يحتفظوا بعقائدهم، بل هو يحميهم من العدوان. فإن كانوا معاهدين أو محالفين وفى لهم بعهدهم، وإن كانوا رعية له كان لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم. ولكنه يأبى كل الإباء أن يكونوا