أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ} ، وقال سبحانه: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} أما تحكيمها في الإيمان ببعض المنزل ورد بعضه فهو خروج بها عن وظيفتها، وتجاوز لحدودها، وعدوان من فاعل ذلك - كما سبق بيانه-.
الوجه الرابع: أن العقول الصحيحة الصريحة لا تخالف المنقول الصحيح ولا تضاده، لأن الرسل- عليهم الصلاة والسلام- لا يأتون بما تحيله العقول الصحيحة، ولكن قد يأتون بما تحار فيه العقول لقصورها وضعف إدراكها، فيجب عليها أن تسلم للصادق الحكيم العليم بكل شيء، خبره وحكمه، وأن تخضع لذلك وتؤمن به، وقصة عصا موسى، وقصة أهل الكهف ليستا مما تحيله العقول، لأن قدرة الله، سبحانه عظيمة، وشاملة، ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، كما قال سبحانه: {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً} ، وقال سبحنه: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} ، ولما سبق من الآيات الكثيرات، في هذا المعنى، وقد جعل الله هذه العصا معجزة باهرة لرسوله وكليمه موسى - عليه الصلاة والسلام- وأيده بها على عدوه فرعون ليقيم الحجة عليه وعلى قومه، فكانت من الآيات العظيمة التي خرق الله بها العادة من أجل تأييد الحق، وإبطال ما جاء به السحرة من السحر العظيم الذي سحروا به أعين الناس، واسترهبوهم، فلقفت هذه العصا في صورة ثعبان عظيم، جميع حبالهم وعصيهم، وعرف السحرة أن هذا شيء من عند الله لا طاقة لمخلوق به، فآمنوا برب موسى وهارون وخروّا لله سجداً، كما قال سبحانه وتعالى في سورة الأعراف: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} ، ولأنه قد ثبت، بالنقل المعصوم والمشاهد المعلوم، ما هو من جنس قصة عصا موسى أو أعجب منها، فأما النقل المعصوم فهو ما ذكره الله، سبحانه، في قصة آدم والجان، وأن الله - عز وجل - خلق آدم من الطين، من صلصال كالفخار، وخلق الجان من مارج من نار، ثم نفخ في آدم من روحه، والطين