عليهم، فكيف بغيرهم من الناس، لا شك أن غيرهم من باب أولى أن يغير عليه إذا غير، وهم, في ذلك كله, لم يخرجوا عن قدر الله، سبحانه، وما كتبه عليهم لقوله عز وجل: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} الآية.. وقوله: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} وبهذا يتضح - لطالب الحق- معنى قوله، سبحانه،: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} وقوله، سبحانه: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا} الآية، ويعلم أن كلا منهما حق ليس بينهما تناقض، مع العلم بأن الله عز وجل قد يبتلي عباده المؤمنين بالسراء والضراء ليمتحن صبرهم وجهادهم وليكونوا أسوة لغيرهم، ثم يجعل لهم العاقبة كما قال، سبحانه: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} وقال سبحانه: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} والآيات في هذا المعنى كثيرة.
وأما الثاني والثالث من الأمور المنكرة التي وقعت في خطاب المنسوب إلى الرئيس أبي رقيبه، التي أسلفنا ذكرها، فهما زعمه أن قصة عصا موسى، وقصة أهل الكهف من الأساطير، ومن الخرافات التي نقلها الرسول صلى الله عليه وسلم إلى القرآن، لأنه عليه الصلاة والسلام في زعم هذا القائل كان إنسانا بسيطا يسافر في الصحراء العربية، ويستمع إلى الخرافات البسيطة السائدة في ذلك الوقت التي منها بزعمه القصتان المذكورتان.
ولا ريب أن هذا الكلام الشنيع مما يثقل على القلب واللسان ذكره، لما اشتمل عليه من أنواع الكفر الصريح، والردة الكبرى عن الإسلام - كما تقدم بيان ذلك، ونقل الإجماع عليه-، ولكن لمسيس الحاجة إلى كشف شبهة قائله، اضطررنا إلى نقله وكتابته، وشبهته، فيما افتراه، من هذا الزعم الباطل، هي أن هاتين القصتين لا يقبلهما العقل، لكون العصا جماداً لا تقبل الحياة، ولأن نوم أهل الكهف طويل جداً، وهذه الشبهة باطلة من وجوه، الأول: أن العقل