ونفي المثل محقق لإثبات الكمال المطلق، كما أن إثبات الكمال المطلق محقق لنفي المثل، ولذلك أثر عن ابن عباس رضي الله عنهما تفسير المثل الأعلى بالصفة العليا، كما تقدم في القول الأول وأثر عنه أيضا تفسيره بانتفاء المثل كما في هذا القول، وذلك لأن نفي المثل وما في معناه، كالكفء والند، إذا ورد في سياق المدح والثناء دل على التفرد بصفات الكمال المطلق. يقول الإمام الدرامي ـ رحمه الله ـ: "قولنا: ليس كمثله شيء، أنه أعظم الأشياء، وخالق الأشياء، وأحسن الأشياء، نور السماوات والأرض. وقول الجهمية: ليس كمثله شيء يعنون: أنه لا شيء" (?). وفي هذه القاعدة رد على من فسر المثل الأعلى بالنزاهة عن صفات المخلوقين من المعتزلة والأشاعرة ومن وافقهم (?)، لأن مرادهم نفي الصفات كليا أو جزئيا، لأن إثباتها في نظرهم يستلزم التمثيل الممنوع (?).
الرابع: أن المثل الأعلى بمعنى الصفة العليا وما تستلزمه من معاني الإيمان قولا وعملا. يقول ابن القيم رحمه الله: "المثل الأعلى يتضمن الصفة العليا، وعلم العالمين بها، ووجودها العلمي، والخبر عنها وذكرها، وعبادة الرب سبحانه بواسطة العلم والمعرفة القائمة بقلوب عابديه وذاكريه" (?).