وفي مرصد القاهرة وضع ابنُ يونس، المتوفى سنة 1007 م، وذلك في عهد الحاكم (990 - 1021 م)، الزيج الكبير الذي سمَّاه «الزيج الحاكمي» والذي حل محل الأزياج التي وُضعت قبله، واستُنْسِخ الزيج الحاكمي في جميع كتب علم الفلك ومنها الكتاب الذي ألفه كُوشو كنغ في الصين سنة 1280 م.

وروى ابنُ السنبدي، الذي كان يقيم بالقاهرة سنة 1040 م، أن مكتبة هذه المدينة كانت تشتمل ــــــــــــــــــــــــــ في القرن الحادي عشر من الميلاد ــــــــــــــــــــــــ على كُرتين فلكيتين، وستة آلاف كتاب في الرياضيات وعلم الفلك.

ولم تكن آثار العرب الفلكية في الأندلس أقلَّ أهميةً من آثار المسلمين الفلكية في المشرق، ولكنه لم يبقَ منها سوى القليل؛ لإبادة جميع مخطوطاتها تقريباً إبادة منظَّمَةً، ولم تُتَرجَم هذه الآثار القليلة التي نَجَت من التحريق، ونُرَجِّح أنها لن تترجم؛ لما تقتضيه من معرفة تامَّة للغة العرب، وللاصطلاحات الفنية التي لا يَعْلَمها غير المتخصصين.

ولا نعرف عن أكثر فلكيي العرب في الأندلس شيئاً غير أسمائهم، ولا نعلم عن كتبهم غير إشارات موجزة تكفي لبيان أهميتهم، ومن ذلك أن ولد الزرقيال، الذي كان حياً حوالي سنة 1080 م، قام بـ 402 رصدٍ؛ ليُعيِّن البعد الأقصى للشمس، وأنه عَيَّن مقدار حركة المبادرة السنوية لنقطتي الاعتدالين بخمسين ثانية، أي ما يَعْدِل ما جاء في أزياجنا الحديثة بالضبط، وأنه كان يرقب الأفلاك بآلاتٍ اخترعها بنفسه، وأنه صنع ساعاتٍ دقاقةً أعُجِبَ بها الناس في طليطلة أيما إعجاب.

وإذ لم تكن كتب عرب الأندلس في علم الفلك موجودةً، أمكن الاستدلال على ما احتوته بما جاء في كتب نصارى ذلك الزمن، ومن ذلك ما تَوَصَّل إليه سيديُّو (الذي درس رسائل الملك الأذفونش العاشر القشتالي الفلكية وما ماثلها) من النتائج القائلة: إن العرب سبقوا كِيبلر وكوبرنيك في اكتشاف حركات الكواكب السيارة على شكل بَيضِيّ، وفي نظرية دوران الأرض، وإن أزياجَ الأذفونش العاشر المسماة «الأزياج الأذفونشية» مأخوذةٌ عن العرب.

وكان علماء الفلك في إفريقية، ولا سيما طنجة وفاس ومراكش ينافسون علماء الفلك في الأندلس، ولكننا نجهل آثارهم جهلنا لآثار علماء الأندلس، ونعلم، مع ذلك، أن أبا الحسن المراكشي، الذي كان يعيش في القرن الثالث عشر من الميلاد، عَيَّن، بضبط لم يسبقه إليه أحد، العرضَ والطولَ لإحدى وأربعين مدينة إفريقية واقعة بين مراكش

طور بواسطة نورين ميديا © 2015