أنشئت مدينة القاهرة الجديدة سنة (359 هـ/970 م)، وهي تضم مدينة الفسطاط القديمة التي أقامها عمرو بن العاص فقامت مقامها، وعادت مدينة الفسطاط لا تكون اليوم إلا ضاحية لتلك المدينة تعرف الآن باسم مصر القديمة، وإن كانت مدينة عمرو بن العاص هذه لم تحمل سابقاً هذا الاسم غير المطابق للأصل.

وتم إنشاء القاهرة بعد أن وضع حجرها الأول بثلاث سنين، وأنفق الفاطميون جزءاً كبيراً من دخلهم الواسع على تجميلها وزخرفتها، ولم يأل كل عاهل جهداً في أن يسبق سلفه في ذلك، ثم سار المماليك الذين حلوا محل الخلفاء العرب على غرار هؤلاء في تزيين القاهرة، ولم ينقطع أمر عمرانها إلا بعد أن أصبحت مركز ولاية تركية، فقد أهملها الترك، فضلاً عن عدم زخرفتهم لها، واليوم تتدرج مبانيها المهمة إلى الخراب، وصار يخشى زوالها في المستقبل القريب لعدم إصلاحها، وقد قال لي أحد علية القوم في مصر: إنني أصبت في زيارتي لتلك المباني، فقد لا يبقى منها شيء يستحق المشاهدة بعد سنين قليلة.

والآن ندرس، على عجل، أهم مباني القاهرة وفق قدمها، وقد اخترنا من مساجد القاهرة، التي تترجح بين أربعمائة مسجد وخمسمائة مسجد، ما هو أدل على تطور فن العمارة في جميع أدوارها، أي منذ إنشائها حتى الأزمنة الأخيرة:

(4 - 1) جامع عمرو بن العاص (21 هـ/642 م)

جامع عمرو بن العاص من أقدم معابد المسلمين وأقدسها، وقد شهد بناءه ثمانون صحابياً.

وأنشأ هذا المسجد فاتح مصر عمرو بن العاص فحمل اسمه، وكان المسجد الجامع الوحيد الذي اشتملت عليه مدينة الفسطاط في عهد الخلفاء الأربعة الأولين وفي زمن الدولة الأموية، ثم اتخذ رسمه نموذجاً زمناً طويلاً ما بدا مثال المساجد الأولى.

ورسم المساجد الإسلامية الأولى بسيط، ومن ينعم النظر في أحدها يميزها كلها، ويتألف كل واحد من هذه المساجد من ساحة مستطيلة محاطة بأروقة واسعة ذات سقوف مستندة إلى صفوف كثيرة من الأعمدة، ويخص أكبر هذه الأروقة الأربعة مكاناً للعبادة، ويقع في وسط هذه الساحة بركة للوضوء، وتقوم على أركان المسجد أبراج مرتفعة تسمى مآذن.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015