أن تعبدوه وحده، ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم» ... و «ما تشاور قومٌ إلا هدوا لأرشد أمرهم» ... و «إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده» ... إلخ.

5

وبعد أن أوضح العلامة لوبون أن الإسلام ألف بين قلوب العرب، وأنهم فتحوا العالم بفضله متخذين ما أمرهم به من العدل والإحسان والتسامح والرأفة بالأمم المغلوبة دستوراً لهم، قال: «كان من سياسة العرب الثابتة، إذا ما أرادوا الاستقرار بقطر؛ أن يكونوا على وثام مع الأهلين المغلوبين، وأن يحترموا دينهم وشرائعهم، وأن يكتفوا بأخذ جزيةٍ طفيفة منهم»، وإلا كان همهم تمويل الجنود وأخذ الغنائم.

وأثبت لوبون، بما لا يترك للشك مجالاً، أن عبد الرحمن الغافقي لم يهدف من غزوه لفرنسة إلا الاستقرار بها واتخاذها قاعدة للاستيلاء على أوربة، وأن النصر الذي أحرزه شارل مارتل في بواتيه لم يكن مهماً كما زعم المؤرخون، بدليل عجز شارل مارتل عن استرداد أية مدينة استولى عليها العرب عسكرياً في فرنسة، وبدليل بقاء العرب، بعد معركة بواتيه مدة قرنين في جنوب فرنسة، وبدليل محالفة بعض أمراء فرنسة العرب على شارل مارتل الذي أخذ ينهب بلادهم، ثم قال لوبون: «إن النتيجة المهمة الوحيدة التي أسفر عنها انتصار شارل مارتل في بواتيه هي أنه جعل العرب أقل جرأة على غزو شمال فرنسة، ونتيجةٌ مثل هذه لم تكف لتكبير أهمية انتصار هذا القائد الفرنجي».

ثم ألمع لوبون، بعد أن ذكر غاية العرب من غزو فرنسة، إلى تخوف مؤرخي الغرب على مصير أوربة فيما لو كان النصر قد تم العرب في معركة بواتيه وكانت غايتهم الاستيلاء، وقال: «لنفرض، جدلاً، أن النصارى عجزوا عن دحر العرب، وأن العرب وجدوا جو شمال فرنسة غير بارد ولا ماطر كجو إسبانية فطابت لهم الإقامة الدائمة به، فماذا كان يصيب أوربة؟ كان يصيب أوربة النصرانية المتبربرة مثل ما أصاب إسبانية من الحضارة الزاهرة تحت راية النبي العربي، وكان لا يحدث في أوربة، التي تكون قد هذبت، ما حدث فيها من الكبائر، كالحروب الدينية وملحمة سان بارتلمي ومظالم محاكم التفتيش، وكل ما لم يعرفه المسلمون من الوقائع التي ضرجت أوربة بالدماء عدة قرون».

وقد خصص العلامة لوبون فصلاً للحروب الصليبية أشار فيه، غير مرة، إلى الفرق بين الفتح العربي والغارات الصليبية من حيث التسامح وحسن معاملة المغلوبين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015