وروى ابن كثير (?): «دخل سعد على معاوية، فقال: ما لك لم تقاتل معنا؟ فقال: إني مرَّت بي ريح مظلمة فقلت اخ اخ، فأنخت راحلتي حتى انجلت عني ثم عرفت الطريق فسرت، فقال معاوية: ليس في كتاب الله (اخ اخ)، ولكن قال الله تعالى: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (?)، فوالله ما كنت مع الباغية على العادلة، ولا مع العادلة على الباغية، فقال سعد: ما كنت لأقاتل رجلًا قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي"، فقال معاوية: من سمع هذا معك؟ فقال: فلان وفلان وأم سلمة. فقال معاوية: أما إني لو سمعته منه - صلى الله عليه وسلم - لما قاتلت عليًا. وفي رواية من وجه آخر: أن هذا الكلام كان بينهما وهما بالمدينة في حجة حجها معاوية، وأنهما أقاما إلى أم سلمة فسألاها فحدثتهما بما حدَّث به سعد، فقال معاوية: لو سمعت هذا قبل هذا اليوم لكنت خادمًا لعلي حتى يموت. وفي إسناد هذا ضعف والله أعلم» اهـ.
كما تبين لنا من رواية الطبري عن القعقاع بن عمرو أن الفريقين أشرفا على الصلح نزولًا على رأي علي - رضي الله عنه -، وكان مما دل على ذلك أيضًا ما رواه الإمام الطبري أن عليًّا - رضي الله عنه - لما أراد الخروج إلى البصرة قام إليه ابن لرفاعة بن رافع فقال: «يا أمير المؤمنين أي شيء تريد؟ وإلى أين تذهب بنا؟ فقال علي: أما الذي نريد وننوي فالإصلاح إن قبلوا منَّا وأجابونا إليه» (?).
وروى أيضًا أن آخر قام إليه في هذا المسير فقال: «ما أنت صانع يا أمير المؤمنين إذا لقيت هؤلاء القوم؟ قال: بان لنا ولهم أن الإصلاح والكف أحوط، فإن تابعوا فذاك، وإن أبوا إلا القتال فصدع لا يلتئم، قال: فإذا ابتلينا بذلك فما حال قتلانا وقتلاهم؟ قال: من أراد الله نَفَعَهُ ذلك، وكان بمنجاة» (?).