ولقد شاهدت منها بلدًا يشهد بفضله على البلاد، ووجدته هو المصر وما عداه فهو السواد، فما رآه راء إلا ملأ عينه وصدره، ولا وصفه واصف إلا علم أنه لم يقدره قدره. وبه من عجائب الآثار ما لا يضبطها العيان، فضلًا عن الإخبار،

من ذلك الهرمان اللذان هرم الدهر وهما لا يهرمان، قد اختص كل منهما بعظم البناء، وسعة الفناء، وبلغ من الارتفاع غاية لا يبلغها الطير على بعد تحليقه، ولا يدركها الطرف على مدة تحديقه؛ فإذا أضرم برأسه قبس ظنه المتأمل نجمًا، وإذا استدار عليه قوس السماء كان له سهمًا (?) .

وقال صاحبنا الشهاب المنصوري:

إن جزت بالهرمين قل كم فيهما ... من عبرة للعاقل المتألم

شبهت كلا منهما بمسافرٍ ... عرف المحل فبات دون المنزل

أو عاشقين وشى لوصلهما أبو ... الهول الرقيب فخلفاه بمعزل

أو حائرين استهديا نجم السما ... فهداهما بضيائه المتهلل

أو ظامئين استسقيا صوب الحيا ... فسقاهما عذبًا روي المنهل

يفنى الزمان وفي حشاه منهما ... غيظ الحسود وضجرة المستثقل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015