وزمان ... وكذلك الأمر والحمد لله كان، فقد نبغ من العلماء القدامى والمحدثين مَنْ وضعوا في تاريخ مصر المصنفات تختلف طولًا وقصرًا، وتتباين طريقة ومنهاجا؛ منهم ابن عبد الحكم وأبو عمر الكندي وابن ميسر والمسبحي والقضاعي وابن دقماق وابن زولاق والأدفوي والعماد الأصبهاني وابن حجر والمقريزي والسيوطي والجبرتي وأبو السرور البكري وابن تغري بردي وابن إياس.
وكتاب حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة، الذي صنفه الجلال السيوطي من أنفس الكتب التي صدرت عن هؤلاء الأعلام، وأعذبها موردًا، وأصفاها منهلًا، وأسدها منهجًا، وأوضحها فصولًا وأبوابًا، وأوفاها استيعابًا وشمولًا، سلك فيه طريقًا قصدًا، ليس بالطويل المستطرد المشوش، ولا بالمقتضب الخالي من النفع والجدوى، بدأه بذكر ما ورد في شأن مصر من الآثار في القرآن الكريم والحديث الشريف، ثم ثناه بذكر تاريخ مصر في عهدها القديم، عهد الفراعنة وبناة الأهرام، على حسب ما وقع لديه من المعارف، وعلى حسب ما كان شائعًا في عصره، ثم وصف الفتح الإسلامي وما صحبه من وقائع وأحداث، وما تم من امتزاج المصريين بالعرب تحت راية الإسلام، ثم ذكر الوافدين على مصر ومن نبغ فيها من أصحاب المذاهب، ومن عاش بها من الحفاظ والمؤرخين والقراء والقصاص والشعرء والمتطيبين وغيرهم؛ مع ذكر نُبذ من حياتهم وتاريخ موالدهم ووفاياتهم. ولم يخل كتابه من تاريخ الولاة الذين تعاقبوا عليها، والقضاة الذين حكموا فيها، والحكومات التي قامت بها، وما بُني فيها من المساجد والمدارس والخانقاهات.
ومن أمتع ما ورد فيها تلك الفصول التي عقدها في ذكر عادات المصريين ومواسمهم وأعيادهم والأسباب الدائرة بينهم؛ وما كان فيها من أندية الأدب ومجالس الشعر والسمر، على منهج طريف أخاذ.