وما كل ذلك الفضل لإصلاح ذات البين إلا لأهمية إصلاح ذات البين؛ إذ ظهرت أهمية الصلح في حقن دماء المسلمين في وقائع كثيرة، فإصلاح ذات البين من الدعائم المهمة للحفاظ على المجتمع الإسلامي من التفكك، فالإسلام بعقائده وعباداته ومعاملاته وآدابه يؤدي إلى بناء مجتمع خيّر فاضل متماسك بروابط أخوية تمنع من خلالها عوامل الفساد والانحلال، ثم تذهب بعد ذلك روح الأنانية والبغضاء والتشاحن، وإذا زال السوء فسيحل محله الحب والإخاء والمودة والموالاة والتكافل والتعاون، فالمجتمع الإسلامي كله يسعى لهدف واحد هو مرضاة الله سبحانه وتعالى بالقول والعمل؛ وذلك يؤول إلى سعادة البشر في الدنيا والآخرة.
أخي المسلم الكريم تدبر دائماً قول النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: ((كونوا عباد الله أخواناً، المسلم أخو المسلم لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يكذبه، ولا يحقره، التقوى هاهنا - ويشير إلى صدره ثلاث مرات - بحسب امرئ منَ الشر أنْ يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام: دمه وعرضه وماله)) (?) .
فهذا الحديث الشريف فيه القواعد العِظام التي تكون جامعة لقلوب المسلمين على الألفة والمودة.
قال مجاهد فيما أخرجه الطبري في تفسيره (?) ، وذكره ابن كثير في تفسيره (?) من طريق عبدة بن أبي لبابة: ((إذا تراءى المتحابان في الله فأخذ بيد صاحبه وضحك إليه، تحاتت خطاياهما كما يتحاتّ ورق الشجر. قال عبدة: فقلتُ له: إنَّ هذا ليسير. قال: لا تقل ذلك، فإن الله يقول: {لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ} [الأنفال: 63] .
والمسلم أخو المسلم يكف عنه الضر، ويجلب إليه النفع.
والتقوى محلها القلب، وهي الميزان عند الله تعالى، وإذا كان أصل التقوى