[المائدة: 28] ثم أخذ ينصح أخاه ويعظه لعله يرجع عما هَمَّ به، ومع كل هذا التلطف والنصح فلم ينفع ذلك أخاه، ولم يثنه عن عزمه على قتل أخيه. وكذلك الظلم والحقد والبغي والحسد كل ذلك يعمي القلب عن الحق، ويصم الأذن عن سماع الحق، فلا يزال القلب مُصِرّاً على المعصية والإثم والموبقة، والشيطان يدفعه إلى تلك المعصية، فالشيطان هو العدو الأول للإنسان فيدفعه إلى ذلك دفعاً، ويهوِّن عليه الأمر حتى إذا وقع فيها تخلى عنه الشيطان وتبرأ منه، ثم بعد ذلك تَظْلَمُّ عليه الدنيا وتضيق عليه الأرضُ بما رَحُبَتْ، قال تعالى: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [المائدة: 30] ثم بعد ذلك ماذا حصل للقاتل؟ ندم على ذلك الفعل الشنيع، ولكن هل ينفع الندم على قتله؟ لا ينفع الندم؛ لأنَّ أخاه قد مات، ولن يرجع إلى الحياة الفانية، ثم ماذا يصنع هذا القاتل بعد جريمته تحيّر وبقي يحمله مدة طويلة. أولُ قتيل لا يدري ماذا يصنع به هل يحمله ويضعه في الماء أم هل يضعه فوق الجبال، أشكل عليه الأمرُ، فالأمر معضلة ومشكلة، لأنَّه أول حادثة قتل تحدث على الأرض. فأظهر القاتل ندمه على سوء فعلته وصنيعه فبعث الله غراباً يبحث في الأرض ليريه كيف يدفن أخاه حتى أراه الله كيف يدفن الغراب غراباً. وقد بيّن لنا النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنه ما من نفس تُقتل ظلماً منذ ذلك التاريخ وحتى آخر يوم من الدنيا إلا كان لهذا القاتل كفلٌ منها؛ لأنه أول من سن القتل، وهذا شأن كل مَن سَنّ ضلالة أو دعا إلى ضلالة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، وقد بيّن الله سبحانه في كتابه بعد أنْ ذكر قصة ابني آدم أنَّ جريمة القتل عظيمة، وأنَّ من قتل نفساً بغير نفس