والذي يظهر أنّ سبب هذا الاختلاف في ما وصّى به النبي - صلى الله عليه وسلم - عائد إما إلى أن كل صحابي ينفي أو يثبت بنحو ما سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم -،فأنس - رضي الله عنه - يذكر آخر وصية قالها النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يغرغر بأبي هو وامي والناس أجمعين، وهذه الوصايا الثلاث إنما ذكرها النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل وفاتة بأيام، فلا تعارض.
وقد تمسك بعض المبتدعة وتشبثوا بهذه الوصية الثالثة زاعمين أن أهل السنة حذفوها أو بعض الرواة كتموها!
قال صاحب المراجعات: " ومع ذلك فقد أوصاهم عند موته بوصايا ثلاث: أن يولوا عليهم علياً، وأن يخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأن يجيزوا الوفد بنحو ما كان يجيزه، لكن السلطة والسياسة يومئذ ما أباحتا للمحدثين بوصيته الأولى، فزعموا أنهم نسوها " (?).
وهو مردود باطل، فلو كان هناك ما يخفى أو يمنع من الإظهار إلى العلن –جدلاً- فلماذا يقول:"نسيتها" أو "تركتها"؟ بل تحذف الثالثة وتصبح الوصية أمرين فقط؟ علماً أن في الروايات الحديثية مثل ذلك كثير، منها:
ما اخرجه أحمد بسنده عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"زينوا القرآن بأصواتكم ".كنت نسيتها فذكرنيها الضحاك بن مزاحم (?).
وكذا ما أخرجه باسناده عن سيار بن سلامة قال: دخلت أنا وأبي على أبي برزة فسألناه عن وقت صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: "كان يصلي الظهر حين تزول الشمس والعصر يرجع الرجل إلى أقصى المدينة والشمس حية والمغرب قال سيار نسيتها والعشاء لا يبالي بعد تأخيرها إلى ثلث الليل وكان لا يحب النوم قبلها والحديث بعدها وكان يصلي الصبح فينصرف الرجل فيعرف وجه جليسه وكان يقرأ فيها ما بين الستين إلى المائة قال سيار لا أدري في إحدى الركعتين أو في كلتيهما" (?). ونظراء هذا كثير لمن تتبع.
وهنا نسأل فلماذا لم تكن هذه الوصية الثالثة هي باستخلاف أبي بكر- مثلا-ولا سيما أنه قد تعددت شواهده! فنسيها ابن عباس - رضي الله عنه - أو الراوي عنه عبيد الله –جدلاً-؟ ولو فتحنا مثل هذه التساؤلات في الروايات لردت أمور ثابتة، وابتدعت أخرى وتحرف دين الله تعالى.
ثم لماذا يكتمها ابن عباس –جدلاً- أو عبيد الله؟ بعد خلافة علي - رضي الله عنه -؟ على علمهم بإثم من كتم الشهادة، رضي الله عنهم أجمعين.