إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:
فإن لكل أمة تاريخاً يمثل مجموعة الأحداث والمواقف التي مرت بها تلك الأمة خلال الحقب الزمنية المتتالية، والتي أسهمت في البناء الحضاري لتلك الأمة.
وهذه الأحداث والمواقف منها ما هو ايجابي يفتخر به الناس، ومنها ما هو سلبي يستفاد منه كدروس ينبغي الاعتبار بها، وتجنب تكرارها، فأما الأولى وهي (الايجابيات) فالتاريخ الإسلامي حافل بها، والعالم كله يعرف ما حصده تاريخ المسلمين من حسنات طيلة الحقبة الزمنية التي كان له فيها سلطان، فانتشر العلم والعلماء، وأُنصف الناس وعاشوا في رخاء وعدل، ولم يقتصر هذا الخير على المسلمين بل عمّهم وغيرهم، وكل هذا الخير انتشر من خلال المبادئ السامية المنبثقة عن العقيدة الصافية، والتضحيات الجسيمة الغالية، ولم يقتصروا في دعوتهم على السيف والرمح كما يزعم بعض دعاة الشؤم وأذنابهم، بل تعددت السبل وتنوعت الأسباب في ذلك، حتى فتح الله على يد تجار لا علاقة لهم بالسيف ولا بالقلم آذاناً صماً وقلوباً غلفاً، وأما السيف والرمح فكانا الدرع الحصين الذي يحمي بلاد المسلمين من أطماع الطامعين.
فالتاريخ الإسلامي أنساني بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى، وحق لنا أن نفتخر به وتشرئب الأعناق.
ورحم الله من قال:
ملكنا فكان العدل منا سجية ... فلما ملكتم سالت بالدم أبطح
وأما عن هاتيك السلبيات في تاريخ المسلمين والتي يجعجع بها بعض المغرضين، فالباحث اليقظ المنصف يجدها في الغالب (مفتعلة)،مسيّسة لأهداف وأغراض شتى، وهي في الحقيقة لا تتعدى عن كونها:
1 - وردت في كتب التاريخ التي لم تشترط الصحة في الروايات، لأنها عنيت بجمع الروايات حسب، كتاريخ الطبري وطبقات ابن سعد وغيرهما، فالإمام الطبري ت (310هـ) قصد جمع الروايات والأحداث التاريخية دون نقد وتفتيش، ولو أراد أن يعمد إلى نقدها لما عجز فهو ناقد بارع، وكتابه (تهذيب الآثار) شاهد على ذلك، ولو قصد نقدها على طريقة النقاد لأصبح حجمه أضعاف أضعافه، ولأفنى عمره في أوله،،وتاريخه على ما فيه إلا أنه عمل كبير، فجزاه الله خيراً على هذا الجهد العظيم الذي تفطن له في وقت مبكر، ولولا هذا العمل لفاتت علينا روايات كثيرة، وقد تضمن كتابه روايات صحيحة وهي كثيرة، وفيه أيضاً من القصص الباطلة والأحداث المنكرة التي يشهد القلب ببطلانها.