بذلك أنه لا خيار بعدها إلا لمن استثناه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث إلا بيع الخيار1 ثم قال وهذا التأويل عندي فاسد لأن الخيار المجعول في المصراة إنما هو خيار عيب وخيار العيب لا يقطعه الفرقة.
ألا ترى أن رجلا لو اشترى عبدا فقبضه، وتفرقا، ثم رأى به عيبا بعد ذلك أن له رده على بائعه باتفاق المسلمين لا يقطع ذلك التفرق الذي روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم!.
فكذلك المبتاع للشاة المصراة فإذا قبضها فاحتلبها، فعلم أنها على غير ما كان ظهر له منها وكان ذلك لا يعلمه في احتلابه مرة ولا مرتين جعلت له في ذلك هذه المدة وهي ثلاثة أيام. حتى يقف على حقيقة ما هي عليه فإن كان باطنها كظاهرها، فقد لزمته واستوفى ما اشترى وإن كان ظاهرها بخلاف باطنها فقد ثبت العيب ووجب له ردها به.
(ب) ثم قال: وقال عيسى بن أبان: كان ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من الحكم في المصراة، بما في الآثار الأول في وقت ما كانت العقوبات في الذنوب يؤخذ بها المال فمن ذلك ما قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الزكاة أنه من أداها طائعا، فله أجرها وإلا أخذناها منه وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا عز وجل.
ومن ذلك ما روي عنه في حديث عمرو بن شعيب في سارق التمرة التي لم تحرز فإنه يضرب جلدات ويغرم مثليها.
قال فلما كان الحكم في أول الإسلام كذلك حتى نسخ الله الربا أفردت الأشياء المأخوذة إلى أمثالها إن كانت لها أمثال وإلى قيمتها إن كانت لا أمثال لها2 رد هذا بأن التصرية من فعل البائع فلو كان من ذلك الباب للزمه التغريم والفرض أن حديث المصراة يقتضي تغريم المشتري فافترقا3.
(ج) وقال الطحاوي بعد ما ذكر قول عيسى بن أبان وأني رأيت في ذلك وجها هو أشبه عندي بنسخ هذا من ذلك الوجه الذي ذهب إليه عيسى وذلك أن لبن المصراة الذي احتلبه المشتريَ منها في الثلاثة الأيام التي احتلبها فيها قد كان بعضه في ملك البائع قبل الشراء وحدث بعضه في ملك المشتريَ بعد الشراء إلا أنه احتلبها مرة بعد مرة فكان ما كان في يد البائع من ذلك مبيعا إذا أوجب نقض البيع في الشاة وجب نقض البيع فيه وما حدث في يد المشتري من ذلك فإنما كان ملكه بسبب البيع أيضا وحكمه حكم الشاة لأنه من بدنها