وأفتى به ابن مسعود، وأبو هريرة، ولا مخالف لهما من الصحابة رضي الله عنهم وقال به من التابعين ومن بعدهم من لا يحصى عدده ولم يفرقوا بين أن يكون اللبن الذي احتلب قليلا أو كثيرا ولا بين أن يكون التمر قوت تلك البلد أم لا1.
القول الثاني: عدم الأخذ بالحديث وهو رأي الإمام أبي حنيفة وروى عن مالك، وقد اعتذروا عن عدم الأخذ به بأمور منها:
1- ما يرجع إلى راوي الحديث الذي هو أبو هريرة لأنه ليس بفقيه.
2- ما يعود إلى الحديث لأنه مضطرب.
3- معارضته للقرآن الكريم.
4- القول بنسخ الحديث.
5- أنه حديث مخالف لقياس الأصول المعلومة، وما كان كذلك لا يلزم العمل به- ثم قسمه ابن دقيق العيد إلى مقامين:
أما الأول: وهو أنه مخالف لقياس الأصول فمن وجوه:
أحدها: أن المعلوم من الأصول أن ضمان المثليات بالمثل وضمان المقومات بالقيم من النقدين وهاهنا إن كان اللبن مثليا كان ينبغي ضمانه بمثله لبنا وإن كان متقوما ضمن بمثله من النقدين وقد وقع هاهنا مضمونا بالتمر فهو خارج عن الأصلين جميعا.
الثاني: أن القواعد الكلية تقتضي أن يكون المضمون مقدر الضمان بقدر التالف وذلك مختلف فقدر الضمان لكنه قدر هاهنا بمقدار واحد وهو الصاع مطلقا فخرج عن القياس الكلي في اختلاف ضمان المتلفات باختلاف قدرها ووصفها.
الثالث: أن اللبن التالف إن كان موجودا عند العقد فقد ذهب جزء من المعقود عليه من أصل الخلقة وذلك مانع من الرد كما لو ذهب بعض أعضاء المبيع، ثم ظهر على عيب فإنه يمنع الرد وإن كان هذا اللبن حادثا بعد الشراء فقد حدث على ملك المشتري فلا يضمنه وإن كان مختلطا فما كان موجودا منه عند العقد منع الرد وما كان حادثا لم يجب ضمانه.
الرابع: إثبات الخيار ثلاثا من غير شرط نحالف للأصول فإن الخيارات الثابتة بأصل الشرع من غير شرط لا تتقدر بالثلاث كخيار العيب وخيار الرؤية عند من يثبته وخيار المجلس عند من يقول به.
الخامسة: يلزم من القول بظاهره الجمع بين الثمن والمثمن للبائع في بعض الصور وهو إذا ما كانت قيمة الشاة صاعا من تمر فإنها ترجع إليه مع الصاع الذي هو مقدار ثمنها.