رابعا: واما قولهم ان الشرع مبني علي التعبد وانه جمع بين المختلفات وفرق بين المتساويات وان العقل لا يدرك العلل الشرعية فنحن لا ننكر ان الشرع مبني علي التعبد وأن الاصل في العبادات التوقيف لكن المعاملات غير ذلككما ان الشرع لم يجمع بين المختلفات ولم يفرق بين المتساويات لان ذلك يأباه الله سبحانه ولا يرضاه ألا تروا ان الله نفي ذلك عن نفسه في قوله (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) سورة القلم 35 قال ابن القيم: فَأَخْبَرَ أَنَّ هَذَا حُكْمٌ بَاطِلٌ فِي الْفِطَرِ وَالْعُقُولِ، لَا تَلِيقُ نِسْبَتُهُ إلَيْهِ سُبْحَانَهُ، وَقَالَ تَعَالَى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءٌ مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} وَقَالَ تَعَالَى: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} أَفَلَا تَرَاهُ كَيْفَ ذَكَّرَ الْعُقُولَ وَنَبَّهَ الْفِطَرَ بِمَا أَوْدَعَ فِيهَا مِنْ إعْطَاءِ النَّظِيرِ حُكْمَ نَظِيرِهِ، وَعَدَمِ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الشَّيْءِ وَمُخَالِفِهِ فِي الْحُكْمِ؟ وَكُلُّ هَذَا مِنْ الْمِيزَانِ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ مَعَ كِتَابِهِ وَجَعَلَهُ قَرِينَهُ وَوَزِيرَهُ فَقَالَ تَعَالَى: {اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ} ) انتهي من اعلام الوقعين لابن القيم. أما ظننتموه مختلفا ليس مختلفا من كل وجه بل هناك علة جامعة استوجبت ذلك الحكم، وان ما ظننتموه متساويا فليس متساويا من كل وجه بل هناك فارق مؤثر، فقولكم الشهود في القتل اثنان، وفي الزنى أربعة لأن حق الدماء أعظم، فإذا جعل الله الشهود في القتل أربعة صار من النادر استيفاء الحقوق في الدماء، ولما كان الزنا ليس فيه حق مترتب للمخلوق، وإنما هو حق الله جعل الله الشهود أربعة، لأن حق الله مبني على العفو، وحق الخلق مبني على المشاحة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015