عمتك"، فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: "اسق يا زبير، ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدار، ثم أرسل الماء إلى جارك"، واستوعى رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير حقه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك أشار على الزبير برأي أراد فيه السعة له وللأنصاري، فلما لم يرضى الأنصاري استوعى للزبير حقه في صريح الحكم فقال الزبير: "ما أحسب هذه الآية نزلت إلا في ذلك، {فَلا وَرَبِّكَ} " وهكذا أخرجه الحميدي في مسنده، وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، فقضى للزبير، فقال الرجل إنما قضى له لأنه ابن عمته، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وهكذا أخرجه الإمام ابن الجارود في المنتقى، والإسماعيلي فيما نقل عنه الحافظ في الفتح"1.
قلت: إن هذه الآية الكريمة وما في معناها نص صريح في وجوب اتباع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم. قال العلامة أبو جعفر الطبري مفسرا لهذه الآية: "فليس الأمر كما يزعمون أنهم يؤمنون بما أنزل إليك، وهم يتحاكمون إلى الطاغوت، ويصدون عنك إذا دعوا إليك يا محمد، واستأنف القسم جل ذكره، فقال: وربك يا محمد لا يؤمنون أي لا يصدقون بي وبك وبما أنزل إليك، حنى يحكموك فيما شجر بينهم، يقول: حتى يجعلوك حكما بينهم فيما اختلط بينهم من أمورهم، فالتبس عليهم حكمه، قال رحمه الله تعالى: شجر يشجر شجورا، شجرا، وتشاجر القوم إذا اختلفوا في الكلام والأمر {بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ} أي لا تأثم بإنكارها ما قضيت وشكها في طاعتك، وإن الذي قضيت به بينهم حق، لا يجوز لهم خلافه، ثم ساق أسانيده الكثيرة بهذا المعنى في أسباب نزول هذه الآية، ومنها حديث الزبير بن العوام رضي الله عنه المتفق عليه بين الشيخين وغيرهما، وحققها، وخرجها العلامة أحمد محمد شاكر في تعليقه على ابن جرير الطبري2 وللإمام عمدة المفسرين العلامة ابن كثير رحمه الله تعالى كلام جيد في تفسير هذه الآية الكريمة فليراجع منه3. وقال الله تعالى: {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} 4