389 - وَهُوَ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ الْهَمَذَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْبَلْخِيُّ، حَدَّثَنَا الْفَرَبْرِيُّ، حَدَّثَنَا الْبُخَارِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ -[349]- وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا عَمْرٌو هُوَ ابْنُ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ، مَوْلَى أَسْمَاءَ، حَدَّثَهُ أَنَّهُ كَانَ يَسْمَعُ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، تَقُولُ كُلَّمَا مَرَّتْ بِالْحَجُونِ: صَلَّى اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ، لَقَدْ نَزَلْنَا مَعَهُ هَا هُنَا وَنَحْنُ يَوْمَئِذٍ خِفَافٌ، قَلِيلٌ ظَهْرُنَا، قَلِيلَةٌ أَزْوَادُنَا، فَاعْتَمَرْتُ أَنَا وَأُخْتِي عَائِشَةُ وَالزُّبَيْرُ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ، فَلَمَّا مَسَحْنَا الْبَيْتَ أَحْلَلْنَا، ثُمَّ أَهْلَلْنَا مِنَ الْعَشِيِّ بِالْحَجِّ، قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: هَذِهِ وَهْلَةٌ لَا خَفَاءَ بِهَا عَلَى أَحَدٍ مِمَّنْ لَهُ أَقَلُّ عِلْمٍ بِالْحَدِيثِ لِوَجْهَيْنِ بَاطِلَيْنِ فِيهِ بِلَا شَكٍّ: أَحَدُهُمَا قَوْلُهُ فِيهِ: فَاعْتَمَرْتُ أَنَا وَأُخْتِي عَائِشَةُ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّقْلِ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لَمْ تَعْتَمِرْ أَوَّلَ دُخُولِهَا مَكَّةَ، وَلِذَلِكَ أَعْمَرَهَا عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ التَّنْعِيمِ، وَبَعْدَ تَمَامِ الْحَجِّ لَيْلَةَ الْحَصْبَةِ، هَكَذَا رَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَرَوَاهُ عَنُ عَائِشَةَ الْأَثْبَاتُ، كَالْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ، وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَعُرْوَةُ، وَطَاوُسٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَالْمَوْضِعُ الثَّانِي قَوْلُهُ فِيهِ: فَلَمَّا مَسَحْنَا الْبَيْتَ أَحْلَلْنَا، ثُمَّ أَهْلَلْنَا مِنَ الْعَشِيِّ بِالْحَجِّ، وَهَذَا بَاطِلٌ لَا شَكَّ فِيهِ، لِأَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، وَابْنَ عَبَّاسٍ، وَعَائِشَةَ كُلَّهُمْ رَوَوْا أَنَّ الْإِحْلَالَ كَانَ يَوْمَ دُخُولِهِمْ مَكَّةَ، وَأَنَّ إِهْلَالَهُمْ بِالْحَجِّ كَانَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَبَيْنَ الْيَوْمَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بِلَا شَكٍّ، وَقَدْ ذَكَرْنَا -[350]- جَمِيعَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ فِي الْأَبْوَابِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ كِتَابِنَا بِأَسَانِيدِهَا، فَأَغْنَى عَنْ تَرْدَادِهَا. ثُمَّ نَرْجِعُ إِلَى الْحَدِيثَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، فَنَقُولُ وَبِاللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ: فَأَسْلَمُ الْوُجُوهِ لَهُمَا أَنْ نُخْرِجَ رِوَايَتَهُمَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: إِنَّ الَّذِينَ أَهَلُّوا بِالْحَجِّ أَوْ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَلَمْ يَحِلُّوا حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ، وَحَتَّى قَضَوْا مَنَاسِكَ الْحَجِّ إِنَّمَا عَنَتْ بِذَلِكَ مَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ، فَبِهَذَا تَنْتَفِي الْفِكْرَةُ عَنْ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ، وَبِهَذَا تَتَآلَفُ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا، لِأَنَّ الزُّهْرِيَّ عَنْ عُرْوَةَ يَذْكُرُ خِلَافَ مَا ذَكَرَ أَبُو الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ، وَالزُّهْرِيُّ بِلَا شَكٍّ أَحْفَظُ مِنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، وَقَدْ خَالَفَ يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ فِي هَذَا الْبَابِ مَنْ لَا يُقْرَنُ يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِلَيْهِ، لَا فِي حِفْظٍ وَلَا فِي فِقْهٍ، وَلَا فِي جَلَالَةٍ، وَلَا فِي بِطَانَةٍ بِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَالْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، وَأَبِي عَمْرٍو ذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَةَ، وَعَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَكَانَتْ فِي حِجْرِ عَائِشَةَ، وَهَؤُلَاءِ هُمْ أَهْلُ الْخُصُوصِيَّةِ وَالْبِطَانَةِ بِهَا، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَكَيْفَ وَلَوْ لَمْ يَكُونُوا كَذَلِكَ، لَكَانَتْ رِوَايَتُهُمْ أَوْ رِوَايَةُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَوِ انْفَرَدَ هُوَ الْوَاجِبُ أَنْ يُؤْخَذَ بِهَا، لِأَنَّ فِيهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي الْأَسْوَدِ، وَيَحْيَى وَعِلْمًا كَانَ عِنْدَهُمْ مِنْ أَمْرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْفَسْخِ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ أَبِي الْأَسْوَدِ، وَيَحْيَى، وَلَيْسَ مَنْ جَهِلَ أَوْ عَقَلَ حُجَّةً عَلَى مَنْ عَلِمَ وَذَكَرَ وَأَخْبَرَ، كَيْفَ وَقَدْ وَافَقَ هَؤُلَاءِ الْجِلَّةُ عَنْ عَائِشَةَ ثَلَاثَةٌ غُرٌّ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، كُلُّهُمْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ رِوَايَةِ هَؤُلَاءِ الْجِلَّةِ عَنْ عَائِشَةَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا رِوَايَاتِهِمْ كُلِّهِمْ آنِفًا، فَسَقَطَ التَّعَلُّقُ بِحَدِيثِ أَبِي الْأَسْوَدِ، وَيَحْيَى اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَا، وَأَيْضًا فَإِنَّ حَدِيثَيْ أَبِي الْأَسْوَدِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَا وَحَدِيثَ يَحْيَى عَنْ عَائِشَةَ مَوْقُوفَةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَحِلَّ؛ غَيْرُ مُسْنَدَةٍ لِأَنَّهُمَا إِنَّمَا ذَكَرًا عَنْهَا فِعْلَ مَنْ فَعَلَ مَا -[351]- ذَكَرَتْ دُونَ أَنْ تَذْكُرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُمْ بِأَنْ لَا يَحِلُّوا، وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَوْ صَحَّ مَا ذَكَرَهُ أَبُو الْأَسْوَدِ، وَيَحْيَى فِي حَدِيثِهِمَا الَّذِي ذَكَرْنَا، وَكَانَ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَقَدْ صَحَّ أَمْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّ مَنْ لَا هَدْيَ مَعَهُ بِفَسْخِ الْحَجِّ فِي عُمْرَةٍ، فَتَمَادَى الْمَأْمُورُونَ بِذَلِكَ عَلَى حَجِّهِمْ وَلَمْ يَحِلُّوا كَمَا أَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكَانُوا عُصَاةً لِلَّهِ تَعَالَى، قَالَ عَزَّ وَجَلَّ {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63] ، وَلَا حُجَّةَ فِي فِعْلِ الْعُصَاةِ، وَقَدْ أَعَاذَهُمُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ، وَبَرَّأَهُمْ مِنْهُ، فَثَبَتَ يَقِينًا أَنَّ حَدِيثَ أَبِي الْأَسْوَدِ، وَيَحْيَى إِنَّمَا عَنَى فِيهِ كُلَّ مَنْ مَعَهُ هَدْيٌ، وَهَكَذَا جَاءَتِ الْأَحَادِيثُ الصِّحَاحُ الَّتِي أَوْرَدْنَا بِأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ مَنْ مَعَهُ الْهَدْيُ بِأَنْ يَجْمَعَ حَجًّا مَعَ الْعُمْرَةِ، ثُمَّ يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا