الْبَابُ الثَّامِنَ عَشَرَ: الِاخْتِلَافُ فِي الْكَبْشَيْنِ أَيْنَ تَنَحَّى بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: قَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا خَلَا مِنْ كِتَابِنَا هَذَا حَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ، وَذِكْرَهُ خُطْبَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى، وَقَوْلَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «أَلَيْسَ هَذِهِ بِالْبَلْدَةِ» ؟ وَقَوْلَ أَبِي بَكْرَةَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ حَاكِيًا عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي آخِرِ الْخُطْبَةِ: «ثُمَّ انْكَفَأَ إِلَى كَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ فَضَحَّى بِهِمَا» . وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي الْبَابِ الَّذِي كَانَ قَبْلَ هَذَا الْبَابِ حَدِيثَ أَنَسٍ وَقَوْلَهُ: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحَّى بِالْمَدِينَةَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا تَعَارُضَ فِي هَذَا الْبَابِ أَصْلًا وَهُمَا حَدِيثَانِ اثْنَانِ مُتَغَايِرَانِ لَا يَحِلُّ ضَرْبُ بَعْضِهِمَا بِبَعْضٍ، وَرَوَى أَبُو بَكْرَةَ تَضْحِيَتَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِمَكَّةَ، وَرَوَى أَنَسٌ تَضْحِيَتَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْمَدِينَةِ، وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ: إِنَّ كِلَا الْحَدِيثَيْنِ خَبَرٌ عَنْ عَمَلٍ وَاحِدٍ، وَمَنْ أَقْدَمَ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ كَذَبَ، وَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسُ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور: 15] وَقَفَّى مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ، وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ إِذْ يَقُولُ تَعَالَى {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} ، وَلَيْسَ رَأْيُ مَنْ رَأَى فَقَالَ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ: لَا يُضَحِّي الْحَاجُّ وَلَا الْمُسَافِرُ حُجَّةً يُعْرَضُ عَلَيْهَا مَا صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَذَا هُوَ الْبَاطِلُ وَعَكْسُ الْحَقِّ. وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ عَرْضُ الْأَقْوَالِ عَلَى مَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلِأَيِّهَا شَهِدَ