أَبْصَارهم وَصرف عَنهُ أفكارهم وَلما أدركهما سراقَة بن مَالك دَعَا عَلَيْهِ فارتطمت فرسه إِلَى بَطنهَا فِي جلد من الأَرْض بِأَن انخسفت الأَرْض بتقريب من الله فتكفل بِالرَّدِّ عَنْهُمَا، وَلما مروا بخيمة أم معبد درت لَهُ شَاة لم تكن من شِيَاه الدّرّ.
فَلَمَّا قدما الْمَدِينَة جَاءَهُ عبد الله بن سَلام فَسَأَلَهُ عَن ثَلَاث لَا يعلمهُنَّ
إِلَّا نَبِي " فَمَا أول أَشْرَاط السَّاعَة، وَمَا أول طَعَام أهل الْجنَّة، وَمَا ينْزع الْوَلَد إِلَى أَبِيه أَو إِلَى أمه قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" أما أول أَشْرَاط السَّاعَة فَنَار تحْشر النَّاس من الْمشرق إِلَى الْمغرب، وَأما أول طَعَام يَأْكُلهُ أهل الْجنَّة فَزِيَادَة كبد حوت، وَإِذا سبق مَاء الرجل مَاء الْمَرْأَة نزع الْوَلَد، وَإِذا سبق مَاء الْمَرْأَة نزعت " فَأسلم عبد الله وَكَانَ إفحاما لأحبار الْيَهُود.
ثمَّ عَاهَدَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَهُود وَأمن شرهم واشتغل بِبِنَاء الْمَسْجِد وَعلم الْمُسلمين الصَّلَاة وأوقاتها وشاور فِيمَا يحصل بِهِ الْأَعْلَام بِالصَّلَاةِ. فَأرى عبد الله بن زيد فِي مَنَامه الْأَذَان وَكَانَ مطمح الافاضة الغيبية رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِن كَانَ السفير عبد الله، وحرضهم على الْجَمَاعَة. وَالْجُمُعَة. وَالصَّوْم وَأمر بِالزَّكَاةِ وعلمهم حُدُودهَا وجهر بدعوة الْخلق إِلَى الْإِسْلَام ورغبهم فِي الْهِجْرَة من أوطانهم لِأَنَّهَا يَوْمئِذٍ دَار الْكفْر وَلَا يَسْتَطِيعُونَ إِقَامَة الْإِسْلَام هُنَالك وَشد الْمُسلمين بَعضهم بِبَعْض بالمواخاة وَإِيجَاب الصِّلَة والإنفاق والتوارث بِتِلْكَ المؤاخاة لتتفق كلمتهم فيتأتى الْجِهَاد ويتمعنوا من أعدائهم، وَكَانَ الْقَوْم ألفوا التناصر بالقبائل.
ثمَّ لما رأى الله فيهم اجتماعا ونجدة أوحى إِلَى نبيه أَن يُجَاهد وَيقْعد لَهُم كل مرصد، وَلما وَقعت وَاقعَة بدر لم يَكُونُوا على مَاء فَأمْطر الله مَطَرا، وَاسْتَشَارَ النَّاس هَل يخْتَار العير أَن النفير؟ فبورك فِي رَأْيهمْ حسب رَأْيه فَأَجْمعُوا على النفير بعد مَا لم يكد يكون ذَلِك، وَلما رأى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثْرَة الْعَدو تضرع إِلَى الله فبشر بِالْفَتْح وَأوحى إِلَيْهِ مصَارِع الْقَوْم.
فَقَالَ: " هَذَا مصرع فلَان. وَهَذَا مصرع فلَان يضع يَده هَهُنَا وَهَهُنَا فَمَا مَاطَ أحدهم عَن مَوضِع يَد رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَظَهَرت
الْمَلَائِكَة يَوْمئِذٍ بِحَيْثُ يراهم النَّاس لتثبت قُلُوب الْمُوَحِّدين وترعب قُلُوب الْمُشْركين فَكَانَ ذَلِك فتحا عَظِيما أغناهم الله بِهِ وأشبعهم وَقطع حَبل الشّرك وَأهْلك أفلاذ كبد قُرَيْش، وَلذَا سمي فرقانا.