وَالْملك مَعَ ذَلِك يحْتَاج إِلَى إِيجَاب طَاعَته بالانتقام مِمَّن عَصَاهُ، فمهما استشعر من رجل كِفَايَة فِي حَرْب أَو جباية أَو تَدْبِير، فليضاعف عطاءه، وليرفع قدره، ولبسط لَهُ بشره، وَمهما استشعر مِنْهُ خِيَانَة وتخلفا وانسلالا، فلينقص من عطائه، وليخفض من قدره، وليطو عَنهُ بشره، وَإِلَى يسَار أكمل من يسَار النَّاس، وَليكن مِمَّا لَا يضيق عَلَيْهِم كموات يحييه وناحية بعيدَة يحميها وَنَحْو ذَلِك وَإِلَى أَلا يبطش بِأحد إِلَّا بعد أَن يصحح على أهل الْحل وَالْعقد أَنه يسْتَحقّهُ، وَأَن الْمصلحَة الْكُلية حاكمة بِهِ.
وَلَا بُد للْملك من فراسة يتعرف بهَا مَا أضمرت نُفُوسهم، وَيكون ألمعيا يظنّ بك الظَّن كَأَن قد رأى وَقد سمع، وَيجب عَلَيْهِ إِلَّا لَا يُؤَخر مَا لَا بُد مِنْهُ إِلَى غَد، وَلَا يصبر إِن رأى مِنْهُم أحدا يضمر عداوته دون فك نظامه وإضعاف قوته وَالله أعلم.
لما كَانَ الْملك لَا يَسْتَطِيع إِقَامَة هَذِه الْمصَالح كلهَا بِنَفسِهِ وَجب أَن يكون لَهُ بِإِزَاءِ كل حَاجَة أعوان، وَمن شَرط الأعوان الْأَمَانَة وَالْقُدْرَة على إِقَامَة مَا أمروا بِهِ وانقيادهم للْملك والنصح لَهُ ظَاهرا أَو بَاطِنا، وكل من خَالف هَذِه الشريطة فقد اسْتحق الْعَزْل، فَإِن أهمل الْملك عَزله، فقد خَان الْمَدِينَة، وأفسد على نَفسه أمره، وَيَنْبَغِي أَنه لَا يتَّخذ الأعوان مِمَّن يتَعَذَّر عَزله، أَو مِمَّن لَهُ حق على الْملك من قرَابَة أَو نَحْوهَا، فيقبح عَزله، وليميز الْملك
بَين محبيه، فَمنهمْ من يُحِبهُ لرهبة أَو لرغبته، فليجره إِلَيْهِ بحيلة، وَمِنْهُم من يُحِبهُ لذاته، وَيكون نَفعه نفعا لَهُ، وضرره ضَرَرا عَلَيْهِ، فَذَلِك الْمُحب الناصح وَلكُل إِنْسَان جبلة جبل عَلَيْهَا وَعَادَة اعتادها، وَلَا يَنْبَغِي للْملك أَن يَرْجُو من أحد أَكثر مِمَّا عِنْده.
والأعوان إِمَّا حفظه من شَرّ الْمُخَالفين بِمَنْزِلَة الْيَدَيْنِ الحاملتين للسلاح من بدن الْإِنْسَان، وَإِمَّا مدبرون للمدينة بِمَنْزِلَة الْقُوَّة الطبيعية من الْإِنْسَان أَو المشاورون للْملك بِمَنْزِلَة الْعقل والحواس للْإنْسَان.
وَيجب على الْملك أَن يسْأَل كل يَوْم مَا فيهم من الْأَخْبَار، وَيعلم مَا وَقع من الْإِصْلَاح وضده.