هَذَا كُله إِن كَانَ الْجِهَاد على شَرطه، وَهُوَ مَا سُئِلَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِن الرجل يُقَاتل شجاعة وَيُقَاتل حمية فَأَي ذَلِك فِي سَبِيل الله؟ فَقَالَ: من قَاتل لتَكون كلمة الله هِيَ الْعليا فَهُوَ فِي سَبِيل الله ".

وَمِنْهَا أَن الْجَزَاء يتَحَقَّق بِصُورَة الْعَمَل يَوْم الْقِيَامَة، وَهُوَ قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

" لَا يكلم أحد فِي سَبِيل الله وَالله أعلم بِمن يكلم ي سَبيله إِلَّا جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة وجرحه يثغب دَمًا، اللَّوْن لون الدَّم، وَالرِّيح ريح الْمسك ".

وَمِنْهَا أَن الْجِهَاد لما كَانَ أمرا مرضيا عِنْد الله تَعَالَى وَهُوَ لَا يتم فِي الْعَادة إِلَّا بأَشْيَاء من النَّفَقَات ورباط الْخَيل وَالرَّمْي وَنَحْوهَا وَجب أَن يتَعَدَّى الرِّضَا إِلَى هَذِه الْأَشْيَاء من جِهَة إفضائها إِلَى الْمَطْلُوب.

وَمِنْهَا أَن بِالْجِهَادِ تَكْمِيل الْملَّة وتنويه أمرهَا وَجعله فِي النَّاس كالأمر اللَّازِم، فَإِذا حفظت هَذِه الْأُصُول انكشفت لَك حَقِيقَة الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي فَضَائِل الْجِهَاد.

قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

" إِن فِي الْجنَّة مائَة دَرَجَة أعدهَا الله للمجاهدين " الحَدِيث.

أَقُول: سره أَن ارْتِفَاع الْمَكَان فِي دَار الْجَزَاء تِمْثَال لارْتِفَاع المكانة عِنْد الله، وَذَلِكَ بِأَن تسكب النَّفس سعادتها من التطلع للجبروت وَغير ذَلِك، وَبِأَن يكون سَببا لاشتهار شَعَائِر الله وَدينه وَسَائِر مَا يُرْضِي الله باشتهاره، وَلذَلِك كَانَت الْأَعْمَال الَّتِي هِيَ مَظَنَّة هَاتين الخصلتين جزاؤها الدَّرَجَات فِي الْجنَّة، فورد فِي تالي الْقُرْآن أَنه يُقَال لَهُ " اقْرَأ وارتق ورتل كَمَا كنت ترتل فِي الدُّنْيَا " وَورد فِي الْجِهَاد أَنه سَبَب رفع الدَّرَجَات فَإِن عمله يُفِيد ارْتِفَاع الدّين، فيجازى بِمثل مَا تضمنه عمله، ثمَّ إِن ارْتِفَاع المكانة يتَحَقَّق بِوُجُوه كَثِيرَة، فَكل وَجه يتَمَثَّل دَرَجَة فِي الْجنَّة، وَإِنَّمَا كَانَ كل دَرَجَة كَمَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض لِأَنَّهُ غَايَة مَا تمكن فِي عُلُوم الْبشر من الْبعد الفوقانى فيتمثل فِي دَار الْجَزَاء كَمَا تمكن فِي علومهم.

قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مثل الْمُجَاهِد فِي سَبِيل الله كَمثل القانت الصَّائِم ".

أَقُول: سره أَن الصَّائِم القانت إِنَّمَا فضل على غَيره بِأَنَّهُ عمل عملا شاقا لمرضاة الله، وَأَنه صَار بِمَنْزِلَة الْمَلَائِكَة ومتشبها بهم، والمجاهد إِذا كَانَ جهاده على مَا أَمر الشَّرْع بِهِ يُشبههُ فِي كل ذَلِك غير أَن الِاجْتِهَاد فِي الطَّاعَات

يسلم فضلَة النَّاس، وَهَذَا لَا يفهمهُ إِلَّا الْخَاصَّة، فَشبه بِهِ لينكشف الْحَال.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015