وتصد من الْوَلِيّ، وَكَانَ لَو فتح رَغْبَة الْأَوْلِيَاء فِي الْمَحَارِم أفْضى ذَلِك إِلَى ضَرَر عَظِيم عَلَيْهَا من عضلها عَمَّن ترغب فِيهِ، وَألا يكون لَهَا من يُطَالب عَنْهَا بِحُقُوق الزَّوْجِيَّة مَعَ شدَّة احتياجها إِلَى ذَلِك وتكدير الرَّحِم بمنازعات الضرات وَنَحْوهَا مَعَ مَا تَقْتَضِيه سَلامَة المزاج من قلَّة الرَّغْبَة فِي الَّتِي نَشأ مِنْهَا، أَو نشأت مِنْهُ، أَو كَانَ كعصى دوحة.
وَأوجب الْحيَاء عَن ذكر الْحَاجة إِلَى الْجِمَاع أَن تجْعَل مدسوسة فِي ضمن عروج يتَوَقَّع لَهما كَأَنَّهُ الْغَايَة الَّتِي وجدا لَهَا.
وَأوجب التلطف فِي التشهير، وَجعل الْملاك المنزلي عروجا أَن تجْعَل وَلِيمَة يدعى النَّاس إِلَيْهَا ودف وطرب.
وَبِالْجُمْلَةِ فلوجوه جمة مِمَّا ذكرنَا، وَمِمَّا حذفنا - اعْتِمَادًا على ذهن الأذكياء - كَانَ النِّكَاح بالهيئة الْمُعْتَادَة أَعنِي نِكَاح غير الْمَحَارِم بِمحضر من النَّاس مَعَ تَقْدِيم مهر وخطبة وملاحظة كفاءة وتصد من الْأَوْلِيَاء ووليمة، وَكَون الرِّجَال قوامين على النِّسَاء متكفلين معاشهن، وكونهن خادمات حاضنات مطيعات سنة لَازِمَة، وأمرا مُسلما عِنْد الكافة، وفطرة فطر الله النَّاس عَلَيْهَا لَا يخْتَلف فِي ذَلِك عربهم وَلَا عجمهم.
وَلما لم يكن بذل الْجهد مِنْهُمَا فِي التعاون بِحَيْثُ يَجْعَل كل وَاحِد ضَرَر الآخر، ونفعه كالراجع إِلَى نَفسه إِلَّا بِأَن يوطنا أَنفسهمَا على إدامة النِّكَاح، وَلَا بُد من إبْقَاء طَرِيق للخلاص إِذا لم يطاوعا، وَلم يتراضيا وَإِن كَانَ من أبْغض الْمُبَاحَات وَجب فِي الطَّلَاق مُلَاحظَة قيود وعدة، وَكَذَا فِي وَفَاته عَنْهَا تَعْظِيمًا لأمر النِّكَاح فِي النُّفُوس وَأَدَاء لبَعض حق الإدامة ووفاء لعهد الصُّحْبَة، وَلِئَلَّا تشتبه الْأَنْسَاب.
وأوجبت حَاجَة الْأَوْلَاد إِلَى الأباء، وحدبهم عَلَيْهِم بالطبع أَن يكون تمرين الْأَوْلَاد على مَا يَنْفَعهُمْ فطْرَة، وَأوجب تقدم الأباء عَلَيْهِم، فَلم يكبروا إِلَّا والأباء أَكثر عقلا وتجربة مَعَ مَا يُوجِبهُ صِحَة الْأَخْلَاق من مُقَابلَة الْإِحْسَان بِالْإِحْسَانِ، وَقد قاسوا فِي تربيتهم مَالا حَاجَة إِلَى شَرحه أَن يكون بر الْوَالِدين سنة لَازِمَة.
وَأوجب اخْتِلَاف استعداد بني آدم أَن يكون فيهم السَّيِّد بالطبع، وَهُوَ الأكيس المستقل بمعيشته ذُو سياسة ورفاهية جبليتين، وَالْعَبْد بالطبع وَهُوَ الأخرق التَّابِع ينقاد كَمَا يُقَاد، وَكَانَ معاش كل وَاحِد لَا يتم إِلَّا بِالْآخرِ، وَلَا يُمكن التعاون فِي المنشط وَالْمكْره إِلَّا بِأَن يوطنا أَنفسهمَا على إدامة هَذَا الرَّبْط، ثمَّ أوجبت اتفاقات أخر أَن يأسر بَعضهم بَعْضًا، فَوَقع ذَلِك مِنْهُم بموقع، وانتظمت الملكة، وَلَا بُد من سنة يُؤَاخذ كل وَاحِد نَفسه عَلَيْهَا، ويلام على تَركهَا، وَلَا بُد من إبْقَاء طَرِيق الْخَلَاص فِي الْجُمْلَة بِمَال أَو بِدُونِهِ، وَكَانَ يتَّفق كثيرا أَن تقع على الْإِنْسَان حاجات وعاهات من مرض وزمانة وَتوجه حق عَلَيْهِ وحوائج يضعف عَن إصْلَاح أمره مَعهَا إِلَّا بمعاونة بني جنسه، وَكَانَ النَّاس فِيهَا سواسية، فاحتاجوا إِلَى إِقَامَة ألفة بَينهم وإدامتها، وَإِن تكون لإغاثة المستغيث وإعانة الملهوف سنة بَينهم يطالبون بهَا ويلامون عَلَيْهَا.
وَلما كَانَت الْحَاجَات على حَدَّيْنِ: حد لَا يتم إِلَّا بِأَن يعد كل وَاحِد ضَرَر الآخر ونفعه رَاجعا إِلَى نَفسه، وَلَا يتم إِلَّا ببذل