الْعمد عَلَيْهَا أحد الْأَمريْنِ الْقَتْل. وَالْمَال، فلربما كَانَ المَال أَنْفَع للأولياء من الثأر، وَفِيه إبْقَاء نسمَة مسلمة.
وَمِنْهَا أَن كَانَت الدِّيَة فِي الْعمد وَاجِبَة على نفس الْقَاتِل وَفِي غَيره تُؤْخَذ من عَاقِلَته؛ لتَكون مزجرة شَدِيدَة وابتلاء عَظِيما للْقَاتِل ينهك مَاله أَشد إنهاك، وَإِنَّمَا تُؤْخَذ فِي غير الْعمد من الْعَاقِلَة لِأَن هدر الدَّم مفْسدَة عَظِيمَة، وجبر قُلُوب المصابين مَقْصُود، والتساهل من الْقَاتِل فِي مثل هَذَا الْأَمر الْعَظِيم ذَنْب يسْتَحق التَّضْيِيق عَلَيْهِ، ثمَّ لما كَانَت الصِّلَة وَاجِبَة على ذَوي الْأَرْحَام اقْتَضَت الْحِكْمَة الإلهية أَن يُوجب شَيْء من ذَلِك عَلَيْهِم أشاءوا أم أَبَوا، وَإِنَّمَا تعين هَذَا لمعنيين.
أَحدهمَا أَن الْخَطَأ وَإِن كَانَ مأخوذا بِهِ لِمَعْنى التساهل فَلَا يَنْبَغِي أَن يبلغ بِهِ أقْصَى المبالغ، فَكَانَ أَحَق مَا يُوجب عَلَيْهِم عَن ذَوي رَحِمهم مَا يكون الْوَاجِب فِي التَّخْفِيف عَلَيْهِ.
وَالثَّانِي أَن الْعَرَب كَانُوا يقومُونَ بنصرة صَاحبهمْ بِالنَّفسِ وَالْمَال عِنْدَمَا يضيق عَلَيْهِ الْحَال، ويرون ذَلِك صلَة وَاجِبَة وَحقا مؤكدا، ويرون تَركه عقوقا وَقطع رحم، فاستوجبت عاداتهم تِلْكَ أَن يغين لَهُم ذَلِك.
وَمِنْهَا أَن جعل دِيَة الْعمد مُعجلَة فِي سنة وَاحِدَة، ودية غَيره مُؤَجّلَة فِي ثَلَاث سِنِين لما ذكرنَا من معنى التَّخْفِيف.
وَالْأَصْل فِي الدِّيَة أَنَّهَا يجب أَن تكون مَالا عَظِيما يَغْلِبهُمْ، وَينْقص من مَالهم، ويجدون لَهُ بَالا عِنْدهم وَيكون بِحَيْثُ يؤدونه بعد مقلساة الضّيق؛ ليحصل الزّجر وَهَذَا الْقدر يخْتَلف باخْتلَاف الْأَشْخَاص، وَكَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة قدروها بِعشْرَة من الْإِبِل، فَلَمَّا رأى عبد الْمطلب أَنهم لَا ينزجرون بهَا بلغَهَا إِلَى مائَة، وأبقاها النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ذَلِك لِأَن الْعَرَب يَوْمئِذٍ كَانُوا أهل إبل، غير أَن النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عرف أَن شَرعه
لَازم للْعَرَب والعجم وَسَائِر النَّاس، وَلَيْسوا كلهم أهل إبل، فَقدر من الذَّهَب ألف دِينَار، وَمن الْفضة اثْنَي عشر ألف دِرْهَم، وَمن الْبَقر مِائَتي بقرة، وَمن الشَّاء ألفي شَاة.
وَالسَّبَب فِي هَذَا إِذا مائَة رجل إِن وزع عَلَيْهِم ألف دِينَار فِي ثَلَاث سِنِين أصَاب كل وَاحِد مِنْهُم فِي سنة ثَلَاثَة دَنَانِير وَشَيْء، وَمن الدَّرَاهِم ثَلَاثُونَ درهما وَشَيْء، وَهَذَا شَيْء لَا يَجدونَ لأَقل مِنْهُ بَالا، والقبائل تَتَفَاوَت فِيمَا بَينهَا، يكون مِنْهَا الْكَبِيرَة، وَمِنْهَا الصَّغِيرَة، وَضبط الصَّغِيرَة بِخَمْسِينَ، فَإِنَّهُم أدنى مَا تتقرى بهم الْقرْيَة، وَلذَلِك جعل الْقسَامَة خمسين يَمِينا متوزعة على خمسين رجلا، والكبيرة ضعف الْخمسين فَجعلت الدِّيَة مائَة ليصيب كل وَاحِد بَعِيرًا أَو بعيران أَو بعير وَشَيْء فِي أَكثر الْقَبَائِل عِنْد اسْتِوَاء حَالهم.