{وَمن يقتل مُؤمنا مُتَعَمدا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم خَالِدا فِيهَا وَغَضب الله عَلَيْهِ ولعنه وَأعد لَهُ عذَابا عَظِيما} .
ظَاهره أَنه لَا يغْفر لَهُ، وَإِلَيْهِ ذهب ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا، لَكِن الْجُمْهُور وَظَاهر السّنة على أَنه بِمَنْزِلَة سَائِر الذُّنُوب، وَأَن هَذِه التشديدات للزجر وَأَنَّهَا تَشْبِيه لطول مكثه بالخلود وَاخْتلفُوا فِي الْكَفَّارَة فان الله تَعَالَى لم ينص عَلَيْهَا فِي مَسْأَلَة الْعمد قَالَ الله تَعَالَى:
{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا كتب عَلَيْكُم الْقصاص فِي الْقَتْلَى الْحر بِالْحرِّ وَالْعَبْد بِالْعَبدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى} .
نزلت فِي حيين من أَحيَاء الْعَرَب: أَحدهمَا أشرف من الآخر، فَقتل الأوضع من الْأَشْرَف قَتْلَى فَقَالَ الْأَشْرَف لَنَقْتُلَنَّ الْحر بِالْعَبدِ وَالذكر بِالْأُنْثَى، ولنضاعفن الْجراح.
وَمعنى الْآيَة - وَالله أعلم أَن خُصُوص الصِّفَات لَا يعْتَبر فِي الْقَتْلَى كالعقل، وَالْجمال، والصغر، وَالْكبر وَكَونه شريفا أَو ذَا مَال وَنَحْو ذَلِك،
وَإِنَّمَا تعْتَبر الْأَسَامِي والمظان الْكُلية، فَكل امْرَأَة مكافئة لكل امْرَأَة، وَلذَلِك كَانَت ديات النِّسَاء وَاحِدَة وَإِن تفاوتت الْأَوْصَاف، وَكَذَلِكَ الْحر يُكَافِئ الْحر، وَالْعَبْد يُكَافِئ العَبْد، فَمَعْنَى الْقصاص التكافؤ وَأَن يَجْعَل اثْنَان فِي دَرَجَة وَاحِدَة من الحكم لَا يفضل أَحدهمَا على الآخر لَا الْقَتْل مَكَانَهُ أَلْبَتَّة، ثمَّ أَثْبَتَت السّنة أَن الْمُسلم لَا يقتل بالكافر، وَأَن الْحر لَا يقتل بِالْعَبدِ. وَالذكر يقتل بِالْأُنْثَى لِأَن النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قتل الْيَهُودِيّ بِجَارِيَة وَفِي كتاب رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أقيال هَمدَان " وَيقتل الذّكر بِالْأُنْثَى " وسره أَن الْقيَاس فِيهِ مُخْتَلف، ففضل الذُّكُور على الْإِنَاث، وكونهم قوامين عَلَيْهِنَّ يَقْتَضِي أَلا يُقَاد بهَا وَأَن الْجِنْس وَاحِد، وَإِنَّمَا الْفرق بِمَنْزِلَة الْفرق الصَّغِير وَالْكَبِير وعظيم الجثة وحقيرها، ورعاية مثل ذَلِك عسيرة جدا، وَرب امْرَأَة هِيَ أتم من الرِّجَال فِي محَاسِن الْخِصَال تَقْتَضِي أَن يُقَاد، فَوَجَبَ أَن يعْمل على القياسين، وَصُورَة الْعَمَل بهما أَنه اعْتبر الْمُقَاصَّة فِي الْقود وَعدم الْمُقَاصَّة فِي الدِّيَة، وَإِنَّمَا فعل ذَلِك لِأَن صَاحب الْعمد قَصدهَا وَقصد التَّعَدِّي عَلَيْهَا، والمتعمد المتعدى يَنْبَغِي أَن يذب عَنْهَا أتم ذب، فَإِنَّهَا لَيست بِذَات شَوْكَة، وقتلها لَيْسَ فِيهِ حرج بِخِلَاف قتل