{وَكَيف تأخذونه وَقد أفْضى بَعْضكُم إِلَى بعض وأخذن مِنْكُم ميثاقا غليظا} .
وَاعْتبر النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْمَعْنى فِي اللّعان حَيْثُ قَالَ:
" إِن صدقت عَلَيْهَا فَهُوَ بِمَا استحللت من فرجهَا " وَمَعَ ذَلِك فَرُبمَا تقع الْحَاجة إِلَى ذَلِك فَذَلِك قَوْله تَعَالَى:
{فَلَا جنَاح عَلَيْهِمَا فِيمَا افتدت بِهِ}
وَكَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يحرمُونَ أَزوَاجهم، ويجعلونهن كَظهر الْأُم، فَلَا يقربونهن بعد ذَلِك أبدا، وَفِي ذَلِك من الْمفْسدَة مَا لَا يخفى، فَلَا هِيَ حظية تتمتع مِنْهُ كَمَا تتمتع النِّسَاء من أَزوَاجهنَّ، وَلَا هِيَ أيم يكون أمرهَا بِيَدِهَا، فَلَمَّا وَقعت هَذِه الْوَاقِعَة فِي زمَان النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واستفتي فِيهَا أنزل الله عز وَجل.
{قد سمع الله قَول الَّتِي تُجَادِلك فِي زَوجهَا} .
إِلَى قَوْله {عَذَاب أَلِيم} .
والسر فِيهِ أَن الله تَعَالَى لم يَجْعَل قَوْلهم ذَلِك هدرا بِالْكُلِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ أَمر ألزمهُ على نَفسه، وأكد فِيهِ القَوْل بِمَنْزِلَة سَائِر الايمان، وَلم يَجعله مُؤَبَّدًا كَمَا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة دفعا للْحَرج الَّذِي كَانَ عِنْدهم، وَجعله مؤقتا إِلَى كَفَّارَة لِأَن الْكَفَّارَة شرعت دافعة للآثام منهية لما يجده الْمُكَلف فِي صَدره، أما كَون هَذَا القَوْل زورا فَلِأَن الزَّوْجَة لَيست بِأم حَقِيقَة وَلَا بَينهمَا مشابهة أَو مجاورة تصحح إِطْلَاق اسْم أحداهما على الْأُخْرَى إِن كَانَ خَبرا، وَهُوَ عقد ضار، غير مُوَافق للْمصْلحَة، وَلَا مِمَّا أوحاه الله فِي شرائعه، وَلَا مِمَّا استنبطه ذَوُو الرَّأْي فِي أقطار الأَرْض إِن كَانَ إنْشَاء، وَأما كَونه مُنْكرا فَلِأَنَّهُ ظلم وجور وتضييق على من أَمر بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ.
وَإِنَّمَا جعلت الْكَفَّارَة عتق رَقَبَة أَو إطْعَام سِتِّينَ مِسْكينا أَو صِيَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين لِأَن مَقَاصِد الْكَفَّارَة أَن يكون بَين عَيْني الْمُكَلف مَا يكبحه عَن الاقتحام فِي الْفِعْل خشيَة أَن يلْزمه ذَلِك، وَلَا يُمكن ذَلِك إِلَّا بِكَوْنِهَا طَاعَة شاقة تغلب على النَّفس إِمَّا من جِهَة كَونهَا بذل مَال يشح بِهِ، أَو من جِهَة مقاساة جوع وعطش مفرطين.