وَمِنْهَا: أَن تجدّد النِّعْمَة حَيْثُ ملك مَا لم يكن مَالِكًا لَهُ يُورث الْفَرح والنشاط وَالسُّرُور، ويهيج على صرف المَال، وَفِي اتِّبَاع تِلْكَ الداعية التمرن على السخاوة، وعصيان دَاعِيَة الشُّح إِلَى غير ذَلِك من الْفَوَائِد والمصالح فَلَمَّا كَانَ فِيهَا جملَة صَالِحَة من فَوَائِد السياسة المدنية والمنزلية وتهذيب النَّفس والاحسان وَجب أَن، يبقيها النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويرغب فِيهَا، ويحث عَلَيْهَا، وَيعْمل هُوَ بهَا، وَلم يضبطه النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَدّ بِمثل مَا ذكرنَا فِي الْمهْر، وَالْحَد الْوسط الشَّاة، لم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على صَفِيَّة رَضِي الله عَنْهَا بحيس وَأَوْلَمَ على بعض نِسَائِهِ بمدين من شعير.
قَالَ: " إِذا دعى أحدكُم إِلَى الْوَلِيمَة فليأتها " وَفِي رِوَايَة " فَإِن شَاءَ طعم وَإِن شَاءَ ترك " أَقُول: لما كَانَ من الْأُصُول التشريعية أَنه إِذا أَمر وَاحِد أَن يصنع بِالنَّاسِ شَيْئا لمصْلحَة فَمن مُوجب ذَلِك أَن يحث النَّاس على أَن ينقادوا لَهُ فِيمَا يُرِيد، ويتمثلوا لَهُ، ويطاوعوه، وَإِلَّا لما تحققت الْمصلحَة الْمَقْصُودَة بِالْأَمر، فَلَمَّا أَمر هَذَا أَن يشيع أَمر النِّكَاح بوليمة تصنع للنَّاس وَجب أَن يُؤمر أُولَئِكَ أَن يُجِيبُوهُ إِلَى طَعَامه، فَإِن كَانَ صَائِما وَلم يطعم
فَلَا بَأْس بذلك فَإِنَّهُ حصلت الإشاعة الْمَقْصُودَة، وَأَيْضًا فَمن الصِّلَة أَن يجِيبه إِذا دعى، وَفِي جَرَيَان السّنة بذلك انتظام أَمر الْمَدِينَة والحي.
وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" إِنَّه لَيْسَ لي أَو لنَبِيّ أَن يدْخل بَيْتا مزوقا " أَقُول: لما كَانَت الصُّور يحرم صنعها، وَيحرم اسْتِعْمَال الثَّوْب المصنوعة هِيَ فِيهِ كَانَ من مُقْتَضى ذَلِك أَن يهجر الْبَيْت الَّذِي فِيهِ تِلْكَ الصُّورَة، وَأَن تُقَام اللأئمة فِي ذَلِك لَا سِيمَا للأنبياء عَلَيْهِم السَّلَام، فَإِنَّهُم بعثوا أَمريْن بِالْمَعْرُوفِ وناهين عَن الْمُنكر، وَأَيْضًا فَلَمَّا كَانَ اسْتِحْبَاب التجمل الْبَالِغ سَببا لشدَّة خوضهم فِي طلب الدُّنْيَا - وَقد وَقع ذَلِك فِي الْأَعَاجِم حَتَّى أنساهم ذكر الْآخِرَة - وَجب أَن يكون فِي الشَّرْع ناهية عَن ذَلِك وَإِظْهَار نفرة عَنهُ.
وَنهى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن طَعَام المتبارين أَن يُؤْكَل. أَقُول: كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يتفاخرون يُرِيد كل وَاحِد أَن يغلب الآخر، فَيصْرف المَال لذَلِك الْغَرَض دون سَائِر النيات، وَفِيه الحقد وَفَسَاد ذَات الْبَين وإضاعة المَال من غير مصلحَة دينية أَو مَدَنِيَّة، وَإِنَّمَا هُوَ اتِّبَاع داعيه نفسانية، فَلذَلِك وَجب أَن يهجر أمره، ويهان، ويسد هَذَا الْبَاب، وَأحسن مَا ينْهَى بِهِ أَلا يُؤْكَل طَعَامه.