تقر أعين الْأَوْلِيَاء حِين يتَمَلَّك هُوَ فلذة أكبادهم وَبِه يتَحَقَّق التَّمْيِيز بَين النِّكَاح والسفاح، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى:

{أَن تَبْتَغُوا بأموالكم محصنين غير مسافحين} .

فَلذَلِك أبقى النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجوب الْمهْر كَمَا كَانَ، وَلم يضبطه للنَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَدّ لَا يزِيد وَلَا ينقص، إِذْ الْعَادَات فِي إِظْهَار الاهتمام مُخْتَلفَة، والرغبات لَهَا مَرَاتِب شَتَّى، وَلَهُم فِي المشاحة طَبَقَات، فَلَا يُمكن تحديده عَلَيْهِم كَمَا لَا يُمكن أَن يضْبط ثمن الْأَشْيَاء المرغوبة بِحَدّ مَخْصُوص، وَلذَلِك قَالَ: التمس وَلَو خَاتمًا من حَدِيد " وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

: " من أعْطى فِي صدَاق امْرَأَته ملْء كَفه سويقا أَو تَمرا فقد اسْتحلَّ " غير أَنه سنّ فِي صدَاق أَزوَاجه وَبنَاته ثِنْتَيْ عشرَة أوقيات ونشا، وَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: لَا تغَالوا فِي صدقَات النِّسَاء فَإِنَّهَا إِن كَانَت مكرمَة فِي الدُّنْيَا أَو تقوى عِنْد الله لَكَانَ أولاكم بهَا نَبِي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحَدِيث.

أَقُول: والسر فِيمَا سنّ أَنه يَنْبَغِي أَن يكون الْمهْر مِمَّا يتشاح بِهِ، وَيكون لَهُ بَال يَنْبَغِي أَلا يكون مِمَّا يتَعَذَّر أَدَاؤُهُ عَادَة بِحَسب مَا عَلَيْهِ قومه، وَهَذَا الْقدر نِصَاب صَالح حَسْبَمَا كَانَ عَلَيْهِ النَّاس فِي زَمَانه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَذَلِكَ أَكثر النَّاس بعده اللَّهُمَّ إِلَّا نَاس أغنياؤهم بِمَنْزِلَة الْمُلُوك على الأسرة وَكَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يظْلمُونَ النِّسَاء فِي صدقاتهن بمطل أَو نقص فَأنْزل الله تَعَالَى:

{وَآتوا النِّسَاء صدقاتهن نحلة فَإِن طبن لكم} الْآيَة.

وَقَالَ الله تَعَالَى:

{لَا جنَاح عَلَيْكُم إِن طلّقْتُم النِّسَاء مَا لم تمَسُّوهُنَّ أَو تفرضوا لَهُنَّ فَرِيضَة} . الْآيَة

أَقُول: الأَصْل فِي ذَلِك أَن النِّكَاح سَبَب الْملك وَالدُّخُول بهَا أَثَره، وَالشَّيْء إِنَّمَا يُرَاد بِهِ أَثَره، وَإِنَّمَا يَتَرَتَّب الحكم على سَببه فَلذَلِك كَانَ من حَقّهمَا أَن يوزع الصَدَاق عَلَيْهِمَا، وبالموت يَتَقَرَّر الْأَمر، وَيثبت حَيْثُ لم يردهُ حَتَّى مَاتَ، وَمَا انخنس عَنهُ حَتَّى حَال بَينه وَبَينه الْمَوْت، وبالطلاق يرْتَفع الْأَمر، وينفسخ، وَهُوَ شبه الرَّد وَالْإِقَالَة،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015