كمذهب جبلي، دون الاتفاقات الطارئة؛ فَإِنَّهَا غير مضبوطة، وَلَا يُمكن أَن يبْنى عَلَيْهَا النواميس الْكُلية؛ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى:
{وَأولُوا الْأَرْحَام بَعضهم أولى بِبَعْض فِي كتاب الله}
فَلذَلِك لم يَجْعَل الْمِيرَاث إِلَّا لأولي الْأَرْحَام غير الزَّوْجَيْنِ؛ فَإِنَّهُمَا لاحقان بِأولى الْأَرْحَام داخلان فِي تضاعيفهم لوجوه: مِنْهَا تَأْكِيد التعاون فِي تَدْبِير
الْمنزل، والحث على أَن يعرف كل وَاحِد مِنْهُمَا ضَرَر الآخر ونفعه رَاجعا إِلَى نَفسه، وَمِنْهَا أَن الزَّوْج ينْفق عَلَيْهَا، ويستودع مِنْهَا مَاله؛ ويأمنها على ذَات يَده؛ حَتَّى يتخيل أَن جَمِيع مَا تركته أَو بعض ذَلِك حَقه فِي الْحَقِيقَة، وَتلك خُصُومَة لَا تكَاد تنصرم؛ فعالج الشَّرْع هَذَا الدَّاء بِأَن جعل لَهُ الرّبع أَو النّصْف، ليَكُون جَابِرا لِقَلْبِهِ وكاسرا لسورة خصومته، وَمِنْهَا أَن الزَّوْجَة رُبمَا تَلد من زَوجهَا أَوْلَادًا هم من قوم الرجل لَا محَالة وَأهل نسبه ومنصبه، واتصال الْإِنْسَان بِأُمِّهِ لَا يَنْقَطِع أبدا، فَمن هَذَا الْجِهَة تدخل الزَّوْجَة فِي تضاعيف من لَا يَنْفَكّ عَن قومه، وَتصير بِمَنْزِلَة ذَوي الْأَرْحَام، وَمِنْهَا أَنه يجب عَلَيْهَا يعده أَن تَعْتَد فِي بَيته لمصَالح لَا تخفى وَلَا متكفل لمعيشتها من قومه، فَوَجَبَ أَن تجْعَل كفايتها فِي مَال الزَّوْج، وَلَا يُمكن أَن يَجْعَل قدرا مَعْلُوما لِأَنَّهُ لَا يدْرِي كم يتْرك، فَوَجَبَ جُزْء شَائِع كَالثّمنِ، وَالرّبع.
وَمِنْهَا أَن الْقَرَابَة نَوْعَانِ: أَحدهمَا مَا يَقْتَضِي الْمُشَاركَة فِي الْحسب، والمنصب، وَأَن يَكُونَا من قوم وَاحِد وَفِي منزله وَاحِدَة، وَثَانِيهمَا مَا لَا يَقْتَضِي الْمُشَاركَة فِي الْحسب، وَالنّسب، والمنزلة، وَلكنه مَظَنَّة الود والرفق، وَأَنه لَو كَانَ أَمر قسْمَة التَّرِكَة إِلَى الْمَيِّت لما جَاوز تِلْكَ الْقَرَابَة، وَيجب أَن يفضل النَّوْع الأول على الثَّانِي، لِأَن النَّاس عربهم وعجمهم يرَوْنَ إِخْرَاج منصب الرجل وثروته من قومه إِلَى قوم آخَرين جورا وهضما، ويسخطون على ذَلِك، وَإِذا أعطي مَال الرجل ومنصبه لمن يقوم مقَامه من قومه رَأَوْا ذَلِك عدلا، وَرَضوا بِهِ وَذَلِكَ كالجبلة الَّتِي لَا تنفك مِنْهُم إِلَّا أَن تقطع قُلُوبهم اللَّهُمَّ إِلَّا فِي زَمَاننَا حِين اختلت الانساب، وَلم يكن تناصرهم بنسبهم، وَلَا يجوز أَن يهمل حق النَّوْع الثَّانِي أَيْضا بعد ذَلِك وَلذَلِك كَانَ نصيب الْأُم مَعَ أَن برهَا أوجب وصلتها أوكد أقل من نصيب الْبِنْت. وَالْأُخْت فَإِنَّهَا لَيست من قوم ابْنهَا وَلَا من أهل حَسبه وَنسبه ومنصبه وشرفه، وَلَا مِمَّن يقوم مقَامه، أَلا ترى أَن الابْن رُبمَا يكون هاشميا، وَالأُم حبشية، وَالِابْن
قرشيا، وَالأُم عجمية، وَالِابْن من بَيت الْخلَافَة، وَالأُم مغموصا عَلَيْهَا بعهر ودناءة، أما الْبِنْت وَالْأُخْت فهما من قوم الْمَرْء وَأهل منصبه، وَكَذَلِكَ أَوْلَاد الْأُم لم يرثوا حِين ورثوا إِلَّا ثلثا لَا يُزَاد لَهُم عَلَيْهِ