قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" ضرب الله مثلا صراطا مُسْتَقِيمًا، وَعَن جَنْبي الصِّرَاط سوران، فيهمَا أَبْوَاب مفتحة، وعَلى الْأَبْوَاب الستور مرخاة وَعند رَأس الصِّرَاط دَاع يَقُول: اسْتَقِيمُوا على الصِّرَاط، وَلَا تعوجوا، وَفَوق ذَلِك دَاع يَدْعُو، كلما هم عبد أَن يفتح شَيْئا من تِلْكَ
الْأَبْوَاب قَالَ: وَيحك لَا تفتحه فَإنَّك إِن تفتحه تلجه، ثمَّ فسره فَأخْبر أَن الصِّرَاط هُوَ الْإِسْلَام، وَأَن الْأَبْوَاب المفتحة محارم الله، وَأَن الستور المرخاة حُدُود الله، وَأَن الدَّاعِي على رَأس الصِّرَاط هُوَ الْقُرْآن، وَأَن الَّذِي من فَوْقه هُوَ واعظ الله فِي كل مُؤمن ".
أَقُول: بَين النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن هُنَالك داعيين: دَاعيا على الصِّرَاط، وَهُوَ الْقُرْآن والشريعة. لَا يزَال يَدْعُو العَبْد إِلَى الصِّرَاط الْمُسْتَقيم بنسق وَاحِد، وداعيا فَوق رَأس السالك يراقبه كل حِين، كلما هم بِمَعْصِيَة صَاح عَلَيْهِ؛ وَهُوَ الخاطر المنبجس من الْقلب الْمُتَوَلد من بَين جبلة الْقلب، والنور الفائض عَلَيْهِ من الْعقل المتنور بِنور الْقُرْآن، وَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَة شرر ينقدح من الْحجر دفْعَة بعد دفْعَة، وَرُبمَا يكون من الله تَعَالَى لطف بِبَعْض عباده بأحداث لَطِيفَة غيبية تحول بَينه وَبَين الْمعْصِيَة، وَهُوَ الْبُرْهَان الْمشَار إِلَيْهِ فِي قَوْله تبَارك وَتَعَالَى.
{وَلَقَد هَمت بِهِ وهم بهَا لَوْلَا أَن رأى برهَان ربه} .
وَهَذَا كُله مقَام التَّوْبَة وَإِذا تمّ مقَام التَّوْبَة، وَصَارَ ملكة راسخة فِي النَّفس تثمر اضمحلالا عِنْد إِحْضَار جلال الله لَا يغيرها مغير سميت حَيَاء، وَالْحيَاء فِي اللُّغَة انحجام النَّفس عَمَّا يعِيبهُ النَّاس فِي الْعَادة، فنقله الشَّرْع إِلَى ملكة راسخة فِي النَّفس تنماع بهَا بَين يَدي الله كَمَا ينماع الْملح فِي المَاء، وَلَا يتقاد بِسَبَبِهَا للخواطر المائلة إِلَى المخالفات.
قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" الْحيَاء من الْإِيمَان " ثمَّ فسر الْحيَاء، فَقَالَ: " من استحيا من الله حق الْحيَاء فَلْيحْفَظ الرَّأْس وَمَا وعى وليحفظ الْبَطن
وَمَا حوى، وليذكر الْمَوْت والبلى، من أَرَادَ الْآخِرَة ترك زِينَة الدُّنْيَا، وَمن فعل ذَلِك استحيا من الله حق الْحيَاء " أَقُول: قد يُقَال فِي الْعرف للْإنْسَان المنحجم عَن بعض الْأَفْعَال لضعف فِي جبلته إِنَّه حَيّ، وَقد يُقَال للرجل صَاحب الْمُرُوءَة لَا يرتكب مَا يفشو لأَجله القالة: إِنَّه حَيّ،