قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حسن الظَّن بِاللَّه من حسن الْعِبَادَة " وَقَالَ عَن ربه تبَارك وَتَعَالَى: (أَنا عِنْد ظن عَبدِي بِي) أَقُول: وَذَلِكَ لِأَن حسن الظَّن يُهَيِّئ نَفسه لفيضان اللطف من بارئه.
وَمِنْهَا التفريد وَهُوَ أَن يستولي الذّكر على قواه الإدراكية حَتَّى يصير كَأَنَّهُ يرى الله تَعَالَى عيَانًا، فتضمحل أَحَادِيث نَفسه " وينطفئ كثير من لهبها، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (سِيرُوا، سبق المفردون هم الَّذين وضع عَنْهُم الذّكر أثقالهم) أَقُول: إِذا خلص نور الذّكر إِلَى عُقُولهمْ، وتشبح التطلع إِلَى الجبروت فِي نُفُوسهم انزجرت البهيمية، وانطفأ لهبها، وَذَهَبت أثقالها.
وَمِنْهَا الْإِخْلَاص وَهُوَ أَن يتَمَثَّل فِي عقله نفع الْعِبَادَة لله تَعَالَى من جِهَة قرب نَفسه من الْحق كَمَا قَالَ تبَارك وَتَعَالَى.
{إِن رَحْمَة الله قريب من الْمُحْسِنِينَ} .
أَو من جِهَة تَصْدِيق مَا وعد الله تَعَالَى على أَلْسِنَة رسله من ثَوَاب الْآخِرَة، فينشأ مِنْهُ الْأَعْمَال بداعيه عَظِيمَة لَا يشوبها رِيَاء وَلَا سمعة وَلَا مُوَافقَة عَادَة، وينسحب هَذَا الْحَال على جَمِيع أَعماله حَتَّى الْأَعْمَال الْمُبَاحَة العادية، قَالَ الله تَعَالَى:
{وَمَا أمروا إِلَّا ليعبدوا الله مُخلصين لَهُ الدّين} .
وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ ".
وَمِنْهَا التَّوْحِيد وَله ثَلَاث مَرَاتِب: إِحْدَاهَا تَوْحِيد الْعِبَادَة، فَلَا يعبد الطواغيت، وَيكرهُ عبادتها كَمَا يكره أَن يقذف فِي النَّار.
وَالثَّانيَِة أَلا يرى الْحول الْقُوَّة وَيرى أَن لَا مُؤثر فِي الْعَالم إِلَّا الْقُدْرَة الوجوبية بِلَا وَاسِطَة، وَيرى الْأَسْبَاب عَادِية إِنَّمَا تنْسب المسببات إِلَيْهَا مجَازًا، وَيرى الْقدر غَالِبا على إِرَادَة الْخلق.
وَالثَّالِثَة أَن يعْتَقد تَنْزِيه الْحق عَن مشاكله الْمُحدثين وَيرى أَوْصَافه لَا تماثل أَوْصَاف الْخلق، وَيصير الْخَبَر فِي ذَلِك كالعيان، ويطمئن قلبه بِأَن لَيْسَ كمثله شَيْء من جذر نَفسه، ويتلقى أَخْبَار الشَّرْع بذلك على بَيِّنَة من ربه ناشئة من ذَاته على ذَاته.