وَمِنْهَا التفكر فِي الْمَوْت وَمَا بعده، وَالْأَصْل فِيهِ قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" واذْكُرُوا هاذم اللَّذَّات ".
وَصفته أَن يتَصَوَّر انْقِطَاع النَّفس عَن الدُّنْيَا وانفرادها بِمَا اكْتسبت من خير وَشر، وَمَا يرد عَلَيْهَا من المجازاة، وَهَذَانِ القسمان أفيد الْأَشْيَاء لعدم قبُول النَّفس نقوش الدُّنْيَا، فالإنسان إِذا تفرغ من أشغال الدُّنْيَا للفكر الممعن فِي هَذِه الْأَشْيَاء، أحضرها بَين عَيْنَيْهِ انقهرت بهيميته، وغلبت ملكيته وَلما لم يكن سهلا على الْعَامَّة أَن يتفرغوا للفكر الممعن وإحضارها بَين أَعينهم وَجب أَن يَجْعَل أشباح يعبي فِيهَا أَنْوَاع الْفِكر، وهيا كل ينْفخ فِيهَا روحها ليقصدها الْعَامَّة ويتلى عَلَيْهِم، ويستفيدوا حَسْبَمَا قدر لَهُم، وَقد أُوتى النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقُرْآن جَامعا لهَذِهِ الْأَنْوَاع وَمثله مَعَه.
وَأرى أَنه جمع لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هذَيْن جَمِيع مَا كَانَ لَهُ فِي الْأُمَم السَّابِقَة وَالله أعلم، فاقتضت الْحِكْمَة أَن يرغب فِي تِلَاوَة الْقُرْآن، وَيبين فَضلهَا وَفضل سوره وآيات مِنْهُ، فَشبه النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَائِدَة
المعنوية الْحَاصِلَة من الْآيَة بفائدة محسوسة لَا أَنْفَع مِنْهَا عِنْد الْعَرَب وَهِي - نَاقَة كوماء وخلفة سَمِينَة - تصويرا للمعنى وتمثيلا لَهُ، وَشبه صَاحبهَا بِالْمَلَائِكَةِ، وَأخْبر بأجرها بِكُل حرف، وَبَين دَرَجَات النَّاس بِمَا ضرب من قبل بِمثل الاترجة وَالتَّمْرَة والحنظلة وَالريحَان، وَبَين أَن سور الْقُرْآن تتمثل يَوْم الْقِيَامَة أجسادا ترى، وتلمس، فتحاج عَن أَصْحَابهَا، وَذَلِكَ انكشاف لتعارض أَسبَاب عَذَابه ونجاته ورجحان تِلَاوَة الْقُرْآن على الْأَسْبَاب الْأُخْرَى، وَبَين أَن السُّور فِيمَا بَينهَا تتفاضل.
أَقُول: وَإِنَّمَا تتفاضل لمعان: مِنْهَا إفادتها التفكر فِي صِفَات الله، وَكَونهَا أجمع شَيْء فِيهِ كآية الْكُرْسِيّ وَآخر الْحَشْر و {قل هُوَ الله أحد} بِمَنْزِلَة الِاسْم الْأَعْظَم من بَين الْأَسْمَاء.
وَمِنْهَا أَن يكون