وَإِن سَأَلَني لأعطينه، وَإِن استعاذني لأعيذنه، وَمَا ترددت فِي شَيْء أَنا فَاعله ترددي عَن نفس الْمُؤمن يكره الْمَوْت وَأَنا أكره مساءته " أَقُول إِذا أحب الله عبدا، وَنزلت محبته فِي الْمَلأ الْأَعْلَى، ثمَّ نزل لَهُ الْقبُول فِي الأَرْض، فَخَالف هَذَا النظام أحد، وعاداه، وسعى فِي رد أمره وكبت حَاله انقلبت رَحْمَة الله بِهَذَا المحبوب لعنة فِي حق عدوه، وَرضَاهُ بِهِ سخطا فِي حَقه، وَإِذا تدلى الْحق إِلَى عباده باظهار شَرِيعَة وَإِقَامَة دين، وَكتب فِي حَظِيرَة الْقُدس تِلْكَ السّنَن والشرائع كَانَت هَذِه السّنَن والقربات أجلب شَيْء لرحمة الله وأوفقه بِرِضا الله، وَقَلِيل هَذِه كثير، وَلَا يزَال العَبْد بتقرب إِلَى الله بالنوافل زِيَادَة على الْفَرَائِض حَتَّى يُحِبهُ الله، وتغشاه رَحمته، وَحِينَئِذٍ يُؤَيّد جوارحه بِنور إلهي، ويبارك فِيهِ. وَفِي أَهله وَولده وَمَاله، ويستجاب دعاؤه ويحفظ من الشَّرّ، وينصر، وَهَذَا الْقرب عندنَا يُسمى بِقرب الْأَعْمَال، والتردد هَهُنَا كِنَايَة عَن تعَارض العنايات فَإِن الْحق لَهُ عناية بِكُل نظام نَوْعي وشخصي، وعنايته بالجسد الإنساني تقضي الْقَضَاء بِمَوْتِهِ ومرضه وتضييق الْحَال عَلَيْهِ، وعنايته بِنَفسِهِ المحبوبة تَقْتَضِي إفَاضَة الرَّفَاهِيَة من كل جِهَة عَلَيْهِ وَحفظه من كل سوء.
قَالَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَلا أنبئكم بِخَير أَعمالكُم، وأزكاها عِنْد مليككم، وأرفعها فِي درجاتكم، وَخير لكم من انفاق الذَّهَب وَالْوَرق وَخير لكم من أَن تلقوا عَدوكُمْ، فتضربوا أَعْنَاقهم، ويضربوا أَعْنَاقكُم؟ قَالُوا: بلَى، قَالَ: ذكر الله " أَقُول: الْأَفْضَلِيَّة تخْتَلف بِالِاعْتِبَارِ وَلَا أفضل من الذّكر بِاعْتِبَار تطلع النَّفس إِلَى الجبروت، وَلَا سِيمَا فِي نفوس زكية لَا تحْتَاج إِلَى الرياضات، وَإِنَّمَا تحْتَاج إِلَى مداومة التَّوَجُّه.
وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: من قعد مقْعدا لم يذكر الله فِيهِ كَانَت عَلَيْهِ
من الله ترة، وَمن اضْطجع مُضْطَجعا لَا يذكر الله فِيهِ كَانَت عَلَيْهِ من الله ترة، وَقَالَ: " مَا من قوم يقومُونَ من مجْلِس يذكرُونَ الله فِيهِ إِلَّا قَامُوا عَن مثل جيفة حمَار؛ وَكَانَ عَلَيْهِم حسرة " وَقَالَ " لَا تكثروا الْكَلَام بِغَيْر ذكر الله فَإِن كَثْرَة الْكَلَام بِغَيْر ذكر الله قسوة للقلب، وَإِن أبعد النَّاس من الله الْقلب القاسي " أَقُول: من وجود حلاوة الذّكر، وَعرف كَيفَ يحصل لَهُ الاطمئنان بِذكر الله وَكَيف تنقشع الْحجب عَن قلبه عِنْد ذَلِك حَتَّى يصير كَأَنَّهُ يرى الله عيَانًا وَلَا شكّ أَنه إِذا توجه إِلَى الدُّنْيَا