الْقبْلَة، فَوحد الله، وَكبره، وَقَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ لَهُ الْملك وَله الْحَمد وَهُوَ على كل شَيْء قدير، لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده أنْجز وعده وَنصر عَبده وَهزمَ الْأَحْزَاب وَحده، ثمَّ دَعَا بَين ذَلِك قَالَ مثل هَذَا ثَلَاث مَرَّات، ثمَّ نزل، وَمَشى إِلَى الْمَرْوَة حَتَّى إِذا انصبت قدماه فِي بطن الْوَادي سعى حَتَّى إِذا صعدتا مَشى حَتَّى أَتَى الْمَرْوَة، فَفعل على الْمَرْوَة كَمَا فعل على الصَّفَا.

أَقُول: فهم النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من هَذِه الْآيَة أَن تَقْدِيم الصَّفَا على الْمَرْوَة إِنَّمَا هُوَ لتوفيق الْمَذْكُور بالمشروع، وَإِنَّمَا خص من الْأَذْكَار مَا فِيهِ تَوْحِيد وَبَيَان لإنجاز الْوَعْد وَنَصره على أعدائه تذكيرا لنعمه وإظهارا لبَعض معجزاته وقطعا لدابر الشّرك وبيانا أَن كل ذَلِك مَوْضُوع تَحت قَدَمَيْهِ وإعلانا لكلمة الله وَدينه فِي مثل هَذَا الْموضع، ثمَّ قَالَ: " لَو أَنى اسْتقْبلت من أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرت لم أسق الْهدى وجعلتها عمْرَة، فَمن كَانَ مِنْكُم لَيْسَ مَعَه هدى فليحل، وليجعلها عمْرَة، قيل: ألعامنا هَذَا أم لِلْأَبَد. قَالَ: لَا بل لأبد الْأَبَد، فَحل النَّاس كلهم، وَقصرُوا إِلَّا النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمن كَانَ مَعَه هدى.

أَقُول الَّذِي بدا لرَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمُور: مِنْهَا أَن النَّاس كَانُوا قبل النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرَوْنَ الْعمرَة فِي أَيَّام قبل الْحَج من أفجر الْفُجُور، فَأَرَادَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن يبطل تحريفهم ذَلِك بأتم وَجه.

وَمِنْهَا أَنهم كَانُوا يَجدونَ فِي صُدُورهمْ حرجا من قرب عَهدهم بِالْجِمَاعِ عِنْد إنْشَاء الْحَج حَتَّى قَالُوا: أناتي عَرَفَة ومذا كيرنا تقطر منيا؟ وَهَذَا من التعمق، فَأَرَادَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن يسد هَذَا الْبَاب.

وَمِنْهَا أَن إنْشَاء الْإِحْرَام عِنْد الْحَج أتم لعظيمهم الْبَيْت.

وَإِنَّمَا كَانَ سوق الْهدى مَانِعا من الْإِحْلَال لِأَن سوق الْهدى بِمَنْزِلَة النّذر أَن يبْقى على هَيئته تِلْكَ حَتَّى يذبح الْهدى، وَالَّذِي يلتزمه الْإِنْسَان إِذا كَانَ حَدِيث نفس أَو نِيَّة غير مضبوطة بِالْفِعْلِ لَا عِبْرَة بِهِ، وَإِذا اقْترن بهَا فعل وَصَارَت مضبوطة وَجَبت رعايتها، والضبط مُخْتَلف، فأدناه بِاللِّسَانِ، وأقواه أَن يكون مَعَ القَوْل فعل عَلَانيَة يخْتَص بالحالة الَّتِي أرادها كالسوق.

فَلَمَّا كَانَ يَوْم التَّرويَة توجهوا إِلَى منى، فأهلوا بِالْحَجِّ، وَركب النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فصلى بهَا الظّهْر. وَالْعصر. وَالْمغْرب. وَالْعشَاء. وَالْفَجْر، ثمَّ مكث قَلِيلا حَتَّى طلعت الشَّمْس، فَسَار حَتَّى نزل بنمرة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015