الْعَقُور وَالْجَامِع المؤذي الصَّائِل على الْإِنْسَان أَو على مَتَاعه " فَإِنَّهُ إِذا رَجَعَ إِلَى استقراء الْعرف لَا يُقَال لَهُ صيد، وَكَذَلِكَ بَهِيمَة الْأَنْعَام والدجاج وأمثالهما مِمَّا جرت الْعَادة باقتنائه فِي الْبيُوت لَا تسمى صيدا، وَأما الْأَقْسَام الْأُخَر، فَالظَّاهِر أَنَّهَا صيد.
وَوقت لأهل الْمَدِينَة ذَا الحليفة، وَلأَهل الشَّام الْجحْفَة، وَلأَهل نجد قرن الْمنَازل، وَلأَهل الْيمن يَلَمْلَم فهن لَهُنَّ، وَلمن أَتَى عَلَيْهِنَّ من غير أهلهن لمن كَانَ يُرِيد الْحَج وَالْعمْرَة فَمن كَانَ دونهن فمهله من أَهله حَتَّى أهل مَكَّة يهلون مِنْهَا. أَقُول: الأَصْل فِي الْمَوَاقِيت أَنه لما كَانَ الْإِتْيَان إِلَى مَكَّة شعثا تفلا تَارِكًا لغلواء نَفسه مَطْلُوبا، وَكَانَ فِي تَكْلِيف الْإِنْسَان أَن يحرم من بَلَده حرج ظَاهر، فَإِن مِنْهُم من يكون قطره على مسيرَة شهر وشهرين وَأكْثر - وَجب أَن يخص أمكنة مَعْلُومَة حول مَكَّة يحرمُونَ مِنْهَا، وَلَا يؤخرون الْإِحْرَام بعْدهَا، وَلَا بُد أَن تكون تِلْكَ الْمَوَاضِع ظَاهِرَة مَشْهُورَة، وَلَا تخفى على أحد، وَعَلَيْهَا مُرُور أهل الْآفَاق، فاستقرا ذَلِك، وَحكم بِهَذِهِ الْمَوَاضِع، وَاخْتَارَ لأهل الْمَدِينَة أبعد الْمَوَاقِيت لِأَنَّهَا مهبط الْوَحْي ومأرز الْإِيمَان وَدَار الْهِجْرَة وَأول قَرْيَة آمَنت بِاللَّه وَرَسُوله، فأهلها أَحَق بِأَن يبالغوا فِي إعلاء كلمة الله، وَأَن يخصوا بِزِيَادَة طَاعَة الله، وَأَيْضًا فَهِيَ أقرب الأقطار الَّتِي آمَنت فِي زمَان رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأخلصت إيمَانهَا بِخِلَاف
جؤاثي. والطائف ويمامة. وَغَيرهَا فَلَا حرج عَلَيْهَا.
والسر فِي الْوُقُوف بِعَرَفَة أَن اجْتِمَاع الْمُسلمين فِي زمَان وَاحِد وَمَكَان وَاحِد راغبين فِي رَحْمَة الله تَعَالَى داعين لَهُ متضرعين إِلَيْهِ لَهُ تَأْثِير عَظِيم فِي نزُول البركات وانتشار الروحانية، وَلذَلِك كَانَ الشَّيْطَان يَوْمئِذٍ أَدْحَر وأحقر مَا يكون، وَأَيْضًا فاجتماعهم ذَلِك تَحْقِيق لِمَعْنى العرضة وخصوص هَذَا الْيَوْم. وَهَذَا الْمَكَان متوارث عَن الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام على مَا يذكر فِي الْأَخْبَار عَن آدم فَمن بعده، وَالْأَخْذ بِمَا جرت بِهِ سنة السّلف الصَّالح أصل أصيل فِي بَاب التَّوْقِيت.
والسر فِي نزُول منى أَنَّهَا كَانَت سوقا عَظِيما من أسواق الْجَاهِلِيَّة مثل عكاظ، والمجنة، وَذي الْمجَاز، وَغَيرهَا، وَإِنَّمَا اصْطَلحُوا عَلَيْهِ لِأَن الْحَج يجمع أَقْوَامًا كَثِيرَة من أقطار متباعدة، وَلَا أحسن للتِّجَارَة وَلَا أرْفق بهَا من أَن يكون موسمها عِنْد هَذَا الِاجْتِمَاع، وَلِأَن مَكَّة تضيق عَن تِلْكَ الْجنُود المجندة، فَلَو لم يصطلح حاضرهم وباديهم وخاملهم ونبيهم